عموم رسالة الإسلام
لقد كان الأنبياء قبله ﷺ يرسلون إلى أقوامهم خاصة، ومن هنا يقال: أنبياء بني إسرائيل، فهم أنبياء مخصوصون ببني إسرائيل وهو إسحاق، والنبي: هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول هو كل نبي أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، وكان عدد الكل: مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً، ولكن ديانتهم لم يؤمروا بها إلا في أنفسهم، ولم يؤمر منهم بإعلامها وتبليغها للناس إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وهؤلاء هم الذين أرسلوا بالرسالات، وكلهم كانوا رسلاً قوميين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خصصت بخمس) والخصائص النبوية تتجاوز المائتين، وقد جمعها السيوطي في كتابه (الخصائص الكبرى)، وطبع أكثر من مرة في مجلدين، قال صلى الله عليه وسلم: (خصصت بخمس)، ومن الخمس: (كان الأنبياء قبلي يبعثون ويرسلون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس عامة).
فليس هناك دين عالمي إلا دين الإسلام؛ دين محمد عليه الصلاة والسلام، فمن يزعم بأن اليهودية أو النصرانية دين العالمين فقد جهل، وقال الباطل وغير الحق، فهذا عيسى يقول في الإنجيل: (أرسلت إلى بني إسرائيل خاصة)، والقرآن المهيمن على الإنجيل يؤكد هذا المعنى فيقول: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ [الصف: ٦]، فهو لم يرسل إلا إليهم، وهو خاتم أنبيائهم، ولذلك فالنصرانية واليهودية لم تكونا يوماً ديناً إلا لبني إسرائيل، وعيسى من بني إسرائيل، ولم يرسل إلا إلى بني إسرائيل، ومن آمن باليهودية وبالنصرانية حتى في عصرها ولم يكن يهودياً فهو قد آمن بدين لم يطلب منه، وآمن برسالة لم يكلف بها، ولذلك من آمن اليوم من غير اليهود بإحدى الديانتين فقد آمن -لو كان الدين لا يزال صحيحاً- بدين لم يكلف به، فكيف والدين قد غير وبدل وانتقل من دين توحيد إلى دين عبادة أوثان!! فاليهود عبدوا العجل، وعبدوا العزير، وعبد النصارى مريم وعيسى والصليب، وقالوا جميعاً: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨]، فجعلوا لله ولداً، وجعلوا جميع الخلق أولاداً، وذاك منتهى الشرك والوثنية والكفر بالله، على أن ذلك قد نسخ، وما برز محمد ﷺ في هذه الديار المقدسة إلا وقد نسخت جميع تلك الأديان، عندما أعلن للناس ما أمره ربه به، قال تعالى: ﴿قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨] فلم تبقَ رسالة ولم يبقَ رسول ونبي تجب طاعته والإيمان به والعمل برسالته إلا محمداً ﷺ ورسالة الإسلام، ومن هنا قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩] فالدين الحق المقبول الذي أمر به البشر هو الإسلام لا سواه، ومن هنا يقول سيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي).
وعيسى سينزل في آخر الزمان على دين محمد دين الإسلام عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: ٧٨]، أي: قصصنا عليك قصص بعضهم وسيرة بعضهم، (ومنهم من لم نقصص عليك) فأكثرهم لم يقصوا ولم تذكر أسماؤهم وسيرهم ولا سير أتباعهم وأممهم وشعوبهم.