تفسير قوله تعالى: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم)
قال تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣].
قص الله علينا وهدانا وعلّمنا وعرّفنا كيف كان هذا الكون، وكيف خُلق هذا العالم فضلاً منه وكرماً، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قل لأولئك المعرضين عن الإيمان بالله وبكتبه وبرسله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾ [فصلت: ١٣].
أي: أعرضوا عن طاعتي وعن طاعة الكتاب المنزل عليك وأدبروا عن الإيمان بالله ورسل الله.
﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣].
أي: قل لهم: أنذرتكم وتهددتكم وتوعدتكم وخوفتكم صاعقة ومصيبة وبلاء سينزل بكم ويدمركم ويهلككم ويزلزل الأرض تحت أقدامكم كالصواعق والبلاء والمصائب التي نزلت على عاد وثمود عندما كفروا ربهم وكذّبوا نبيهم وأعرضوا عن كتبهم وعن رسالاتهم.
وعندما جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي ﷺ وهو يطمع بأن يسكته عن تزييف آلهتهم وعيب آبائهم ودعوتهم إلى الله وإلى طاعة رسول الله ﷺ وبعد أن أنهى كلامه وهو يقول له: أأنت خير أم أبوك عبد الله؟ أنت خير أم جدك عبد المطلب؟ وما فعل عبد الله أو عبد المطلب حتى يكونا خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فهما لم يكونا نبيين ولا يفعل هذا إلا نبي، ولذلك النبي ﷺ قال لهم: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [فصلت: ٦] أي: لا أزيد عليكم إلا بالوحي وبالرسالة ولو لم يوح الله إلي بشيء لما سمعتم مني كلمة، ولقد عشت فيكم عمراً ودهراً وزمناً فما الذي سمعتموه مني؟ فلما انتهى كلام عتبة قال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أفرغت يا أبا الوليد! قال: نعم، قال: اسمع، قال: كلي سمع، فابتدأ وقال: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: ١ - ٣] إلى أن وصل إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣]) وإذا بـ عتبة يضع يده على فم رسول الله ﷺ ويقول: يا أبا القاسم! حسبك نحن رحمك وأقرباؤك، وقطع الحديث وذهب.
وعندما اجتمعت عليه قريش قالوا: ما الذي أجابك به محمد؟ وقد لاحظوا من ملامحه وتقاطيعه أنه تغيّر عن الحالة التي ذهب إليه فيها، فقال لهم: اسمعوا مني وأطيعوه، فلقد هددكم وأنذركم، وأنتم تعلمون أن محمداً إذا قال صدق ولم يكذب في حياته قط، فهو إذا أنذركم بالصاعقة نزلت بكم لا محالة، فتضاحكوا عليه، وقالوا له: سحرك محمد بلسانه وأعجبك طعامه.
فإذا به من جهالته ووثنيته يقسم أن لا يجتمع بمحمد مرة ثانية بدلاً عن أن يتحداهم ويقول لهم: سأفعل ما فعل عمر وحمزة، بل ازداد كفراً وعناداً وأقسم لهم بما يريدون بأن لا يعود إلى الاجتماع بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن بلاغة القرآن وفصاحته وإعجاز نظمه وترتيبه أنه لفت الأنظار -كالديباجة- لما فعلت عاد وثمود، فلفت الأنظار ونبه الآذان، وكأن الناس تتساءل ما بال عاد وثمود؟ وما جريمتهم وصنعهم؟


الصفحة التالية
Icon