تفسير قوله تعالى: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا)
قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٧ - ٧٩].
هذه الآيات نزلت في العاص بن وائل، فقد كان له حداد يخدمه ويصنع له الأسلحة والسيوف والدروع، وهذا الحداد هو خباب بن الأرت من دراويش الصحابة، ومن كبار العارفين بالله منهم، فجاءه ذات يوم يريد أن يقبض ما عنده من دين له لسيوف صنعها له، فقال له العاص: لا أعطيك شيئاً حتى تكفر بمحمد، فقال خباب: والله لو مت ثم بعثت ثم مت ثم بعثت فلن أكفر بمحمد، فقال العاص: فإن بعثت أنا فسأكون أكثر مالاً وولداً، فتأتيني إذ ذاك وأقاضيك، فسخر الله منه لكلامه الذي يدل على صغار عقله وشدة كفره برسل الله.
فقوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ [مريم: ٧٧] أي: كفر بالقرآن وبقدرة الله وتوحيده، وكفر برسوله، ومع كفره قال: (لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا) إن أنا بعثت يوم القيامة، وأقسم على ذلك بلام التوكيد للقسم، وبنون التوكيد الثقيلة، فقال الله له: ﴿كَلَّا﴾ [مريم: ٧٩] وهي تقال لردع ما قبلها، ولتأكيد ما بعدها، فقد ردع بها العاص بن الوائل لما تألى على الله وكذب، ومن يتألى على الله يكذبه، وجاءت (كلا) لتأكيد ما بعدها، فقال الله تعالى: ﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٩] أي: ستسجل عليه ملائكتنا كفره وهراءه، ويؤتي بكتابه يوم القيامة فيحمله بيساره، ونمد له مداً من العمر فيستدرج وتطول حياته ويكثر ماله وجاهه استدراجاً من الله له ليزداد عذابه؛ لأن كفره ليس ككفر الجاهلين، ولكنه كفر الصادين المعرضين.