تفسير قوله تعالى: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق)
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥].
يقول الله عن عاد إنها قالت عندما جاءتهم رسلهم يدعونهم إلى عبادة الله وحده وإلى الكفر بالأوثان وبالشركاء: لن يكون رسول إلا إذا كان ملكاً.
وعندما جاءهم الوعيد والإنذار من رسلهم تحدوا وقالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥].
واستكبروا في الأرض بغير الحق وتعاظموا وتعالوا، وجعلوا أنفسهم كبراء وسادة وعظماء، فتكبروا على الخلق وعلى الرسل وعلى عبادة ربهم.
ثم زادوا فقالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥]، فطغوا بأجسامهم، وكانوا في أجسامهم يسمون بالعمالقة، وكان طول أحدهم مائة ذراع وأقلهم كان طوله ستين ذراعاً وما يناسب ذلك من العرض، وكان الواحد منهم يتناول ما لا يتناوله الجماعات أولو العدد من بعدهم.
فاستكبروا بأجسامهم وقوتهم وقالوا: مهما ينزل من بلاء ومن صواعق فنحن قادرون على القضاء عليها وقوتنا تدمرها وتقضي عليها.
فقال الله لنبيهم أن يقول لهم: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥]، أي: أولم يروا رؤية القلب ويتدبروا ببصائرهم وبعقولهم ويفكروا ويتبصروا، أن الذي خلقهم على هذه القوة وعلى هذا الطول وعلى هذه الأجسام هو الله الذي هو أشد منهم قوة، وهم لم يحسبوا حساباً لقوة الله وقدرته وبطشه خاصة، وهو الذي أرسل رسله بشراً يدعونهم إلى الطاعة وإلى التوحيد وإلى ترك الأصنام وإلى ترك الأوثان أي: ألم يعلموا ويدركوا ويفهموا، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يفلتون من عقاب الله وعذابه.
﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ١٥] فلم يزدادوا بذلك إلا عتواً وفساداً واستكباراً في الأرض.


الصفحة التالية
Icon