تفسير قوله تعالى: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم)
قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٢].
أي: تقول لهم هذه الجلود والأيدي والأرجل بعدما ينطق اللسان ويسألهن: لم شهدتم علينا؟ فيقلن لهم: وهل كنتم تستترون من فعل الفاحشة وإعلان الكفر؟ فلسنا وحدنا الذين رأينا ذلك وشاهدناه، بل كنتم تعلنون ذلك في المجالس والمحافل وتشهرونه مع الناس، بل كنتم من الكفر والإصرار عليه وعلى الباطل بحيث لا تخافون الخالق ولا تستحيون من المخلوق وتجهرون بفعل الفواحش والسيئات وارتكاب الشرك وما يتعلق به.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما في السنن قال: كنت أطوف بالبيت -وكان هذا قبل فتح مكة- وإذا بي أسمع ثلاثة يتحدثون عن الله وعن القيامة، وقد عظمت بطونهم وكثرت شحومهم وصغر عقلهم وقل دينهم، فقالوا كلاماً لم أسمع منه إلا كلمات، وأحدهم كان ثقفياً واثنان قرشيان، فقال أحدهم: هل الله يسمع قولنا الآن وكلامنا وما نصنع؟ فقال الثاني: إن رفعنا أصواتنا وجهرنا بها سمعها وإن أخفيناها لا يسمعها! فقال الثالث: إن سمع ما جهرنا به سمع ما أخفيناه.
فنزل قوله تعالى ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٢].
فهم كانوا يظنون، والظن قد يكون بمعنى اليقين، فقد كانوا يتيقنون وربما شكوا وارتابوا بأن الله يعلم شيئاً ويخفى عليه شيء! ذلك نتيجة كفرهم وشركهم وبعدهم عن الله.