تفسير قوله تعالى: (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا)
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ﴾ [فصلت: ٢٩].
أي: سيقولون هذا يوم القيامة وهم في النار خالدين مخلدين فيها، وهيهات أن ينفعهم ذلك، فهم وهم في النار في عذاب الله يصيحون ويريدون أن يقولوا شيئاً نفع أو لم ينفع، فينادون ربهم إذ ذاك ويعترفون به ويقولون: ((رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا)) أي: أطلعنا وعرفنا بوجوههم وبأشكالهم حتى نراهم رؤية العين.
((مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ)) فهؤلاء الذين أطاعوهم في دار الدنيا واتبعوا وساوسهم وسبلهم واهتدوا بهديهم ودانوا بدينهم وكفروا كفرهم يقولون لله وهم في النار: ((أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا))، أي: أبعدنا عن الهدى وعن الإسلام وعن الإيمان بالله وكتابه وعن الإيمان بمحمد ورسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجعلانا من الضالين التائهين، و ((أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا))، أي: نجعلهما في أسفل السافلين في الدرك الأسفل من النار؛ لنكون نحن أعلاهم.
وهذا كما قال الكافرون الذين سبقوهم: ﴿رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٣٨]، فقال الملائكة المكلفون عن أمر الله: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ [الأعراف: ٣٨]، أي: سيعذب الكل التابع والمتبوع، والإمام والمؤتم، والموظف والقائد من الجن والإنس معاً.
((نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا))، أي: ينزلوهما في أسفل سافلين في الدرك الأسفل، ويدوسون عليهم بالأقدام انتقاماً وعداوة وحقداً، وهيهات أن ينفعهم ذلك.
((لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ))، أي: ليكون جنس الإنس وجنس الجن أسفل سافلين في العذاب، ويكونون معذبين أشد من غيرهم؛ لأنهم الأئمة والقادة وكما أن الجنة درجات فكذلك جهنم دركات، فمنهم من هو في الدرك الأسفل من النار، ومنهم من هو فوقها ومنهم من علا فوق سطح النار فلا تمس النار إلا قدمه، وهذا المساس بالقدم يغلي منه دماغه، نسأل الله اللطف والسلامة والبعد عن النيران والغضب في الدنيا والآخرة.