تفسير قوله تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا)
قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥].
يقول تعالى: وما يلقى هذه الرتبة وهذه الخصلة ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥].
أي: وما يلقاها إلا الصابر والكاظم والمؤمن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والواصل للأرحام.
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٥]، أي: ولا يتحملها ويلقاها ويحصل على هذه الخصلة العظيمة من الصبر على الأخ المسلم في إيذائه وظلمه وقلة أدبه وجهالته إلا ذو حظ ومكانة وسعد في رضا الله ورحمته.
والحظ العظيم الذي يذكر في كتاب الله هو الجنة والمغفرة الإلهية والدرجة العالية في الجنان، ولا يفرّط في هذا ويبتعد عنه إلا من لا يحب التخلق بفعل الصالحين والمؤمنين كما أمر الله.
وفي مسند أحمد أنه جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (يا رسول الله! إن لي أقارب أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، أأفعل فعلهم وأعمل عملهم؟ قال: إذاً: تُتركون كلكم، وإن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل) أي: تضعفه في أفواههم، فهذا القريب الذي يسيء إليك وتحسن إليه، ويقطعك وتصله، وتحب له الخير ويتمنى لك الشر لا تفعل فعله ولا تعمل عمله.
والمل: الرماد الحار، أي: كأنك بذلك تضعه في أفواههم فيؤذيهم، أي: إن إحسانك يغلب سيئتهم، وصلتك تغلب قطيعتهم، وبفعلك يهينون أنفسهم ويحتقرونها ويرونك الأكبر والأعظم والأرشد والأقرب إلى الله وإلى التخلق بأخلاق رسول الله ﷺ والمؤمنين.
وفي معنى هذا يقول الله ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩].
وقوله: ((فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)) الولي: الأخ، والحميم: القريب والصديق.
((وَمَا يُلَقَّاهَا))، يعني: وما يلقى هذه الرتبة الشريفة ويحصل عليها.
((إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا))، أي: المتحلون بالصبر وبالتحمل وبما يتحلى به أولو العزم من الرجال المؤمنين الصادقي الإيمان.
((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ))، أي: ولا يلقاها ويتلقاها ويظفر بها -إي: بهذه الرتبة الكريمة- إلا صاحب حظ عظيم.
والحظ العظيم: الجنة والرتبة العالية ورحمة الله ورضاه ودخول الجنان، وهو شيء لا يتحمله ولا يطيقه إلا مؤمن صادق الإيمان قوي الإرادة يغلّب رضا الرحمن على إرضاء الشيطان، ويغلّب الأخلاق الفاضلة على الأخلاق السافلة.


الصفحة التالية
Icon