معنى قوله تعالى: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر)
قال الله جل جلاله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧].
السجدة هنا في هذه الآية الكريمة مجمع عليها من جميع الأئمة، واختلفوا في محل السجود هل هو عند قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧]، أو في الآية التالية في قوله تعالى: ﴿وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨]؟ فعند الإمام مالك وهو قول الإمام علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وجماعة من الصحابة، وهو مذهب الحسن البصري وابن سيرين: أن السجدة تكون عند تمام قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧]؛ قالوا: لأن الأمر عندها، ﴿لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [فصلت: ٣٧].
وقال ابن عباس وهو مذهب الإمام أبي حنيفة والشافعي وعبد الله بن وهب من أئمة المالكية وجماعة من الصحابة والتابعين والأئمة: أن السجدة نهاية آية: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨].
قالوا: لأنه عند لا يسأمون يتم المعنى والكلام.
قوله: (ومن آياته) أي: ومن دلائل قدرته ووحدانيته ((اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ))، أي: خلق الليل لنسكن فيه والنهار لنعمل فيه، ((وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ))، أي: الشمس بضيائها وبشعاعها والقمر بنوره وبضيائه، والشمس والقمر والليل والنهار لمعرفة الأعداد والأزمان والجُمع والشهور والأعوام للعبادة ولقيام شهر رمضان حج بيت الله الحرام والتوقيت معاملات الناس في أزمانهم، وإحداد المرأة على زوجها والكفّارات وصيام شهرين متتابعين.
فهذه الأزمان والأسماء التي سماها الله تعالى من أعظم خلقه وأجمله، ولو جعل الليل سرمداً أو النهار سرمداً لما استطاع الخلق العمل، ولما استطاع العامل الراحة والترتيب في الأعمال، ولو خلق الشمس دائماً لاحتاج الناس إلى القمر، ولو خلق القمر دائماً لاحتاج الناس إلى الشمس، وكل ذلك خلقه الله جل جلاله.
ولفت الأنظار إلى حكمته وفوائده وإلى ما يجني الخلق من ذلك؛ لنزداد له عبادة وإيماناً ويقيناً بالأدلة القاطعة على أنه الواحد المنفرد بالعبادة، وأنه القادر على كل شيء، فقال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ))، أي: ومن دلائل قدرته ووحدانيته خلقه الليل والنهار والشمس والقمر.