تفسير قوله تعالى: (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار)
قال تعالى: ﴿فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨].
يقول الله جل جلاله: فإن تعاظموا واستكبروا على نبيهم في أمرهم بعبادة الله وبالسجود له ﴿فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨].
والذين عند ربك هم الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهذه كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩].
أي: إن يكفر بعض البشر وبعض الجن فالذين عند ربك من ملائكته المكرمين لا يستكبرون عن العبادة، فإنهم يدعون الله ويعبدونه في الليل والنهار، ويديمون عبادته ليلاً ونهاراً حال كونهم لا يسأمون، أي: لا يملون ولا يكلّون.
وقالوا: العبادة للملك كالنفس للبشر، أي: كما أن البشر لا يعيشون بلا أنفاس وإذا انقطعت الأنفاس ماتوا فكذلك الملك نفسه ذكر الله، فهم في عبادة الله ما بين ساجد وقائم وعابد وذاكر، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام عنهم: (أطت السماء وحق لها أن تئط)، أي: صوتت السماء لما عليها من ثقل خلق الله وعباده من الملائكة كما يصوت السقف عندما يكثر الجالسون والقائمون فوقه (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد) فهم يعبدون الله في قيامهم وسجودهم وذكرهم وفي كل أحوالهم.
وهذا بيان لقوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨]، أي: إن كفر هؤلاء فلن يكفر عباد الله من الملائكة ومن الأتقياء ومن الصلحاء ومن الموحدين لله من أتباع الأنبياء السابقين ومن أتباع خاتمهم عليه صلوات الله وسلامه.