معنى قوله تعالى: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا)
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: ٤٠].
هنا يتوعد الله ويتهدد وينذر الملاحدة والمشركين ويخوفهم عذابه ونقمته، فقال ربنا: ((إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا)).
والإلحاد: الخروج عن الجادة وعن الطريق المستقيم والكفر بالله وتحريف الكلم عن مواضعه؛ كل هذا يدخل تحت هذه اللفظة من هذه الكريمة: ((إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا)).
أي: يكفرون بآيات الله وعلامات قدرته وأدلة وحدانيته ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويفسرون النهار بالليل والليل بالنهار بما لا يقره عقل ولا قرآن ولا سنة، شأن اليهود عندما حرفوا كتاب ربهم وتلاعبوا بآيات توراتهم، وهذا موجود في أدلة كل الفرق الضالة، فكل الفرق المبتدعة تستدل بقال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتستشهد على ذلك بكلام العرب، ويقولون: قال الشاعر وقال الخطيب وقال المتكلم، وفي كل ذلك تحريف للكلام عن مواضعه وتغيير لنصوص الكتاب.
فحولوا الصلاة إلى الدعاء، وأنكروا الصلوات الخمس، وحرّفوا الحج، وقالوا: إنه القصد إلى الشيء، وتركوا الحج إلى بيت الله الحرام، وأولوا الزكاة بأنها: التنمية والزيادة، وأنكروا العطاء والصدقات، وأولوا الصيام بالإمساك عن القول وعن الجواب وعن الاستفسار، وفتحوا بطونهم لكل مأكول ومشروب شرهاً وإفساداً لكتاب الله، وأتوا بفهوم عوراء وآراء باطلة لا يقبلها طفل ولا من له أدنى مسكة من عقل.
فهؤلاء بكل أشكالهم من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويكفرون بآيات الله وأدلة وحدانيته وقدرته، وحادوا عن الطريق السوي الذي قال عنه نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يضل عنها إلا هالك)، وذهبوا إلى بنيات الطرق وإلى التلاعب بالنصوص، وظنوا أنهم يحسنون صنعاً، وهيهات هيهات! ومن هنا يجب على المسلم سواء كان معلماً أو أباً أو مدرساً أو حاكماً أن يتحرى الكتب التي لا تغيير فيها ولا تبديل ولا تحريف، وينتقي المعلمين والعلماء الذين سلكوا الجادة ولم يتبعوا السبل وبنيات الطرق، وإلا فالطفل كالعجينة وكالقضيب من السكر يتلاعب به من بيده كيف شاء، فإن شاء جعل العجينة خبزاً وإن شاء جعلها حلوى، وإن شاء مربعة، وإن شاء مستطيلة، وهكذا قل عن قضيب السكر، فإنك تشكله في يدك بالشكل الذي تريده.
وقد تنبه أعداء الله وأعداء المسلمين والإسلام إلى هذا فأفسدوا برامج التعليم في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية وأبعدوا أبناء المسلمين عن تعلم كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ ومعرفة دينهم، ونشروا الإلحاد والفسوق، وجهّلوا الناس بدينهم وبكتاب ربهم وبسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
والتعليم هو أداة الصلاح والفساد، فإن تولاه مفسد ضل وأضل، وإن تولاه مصلح صلح وأصلح.
والتعليم الموجود اليوم في العالم الإسلامي فيه الفساد والضلال، فقد أفسدوا جميع برامج التعليم دون استثناء، حتى أن الكثير ممن يزعمون الإسلام والغيرة عليه وفهم القرآن والسنة حرفوا الآيات بما أحلوا فيها من الربا ومن الرشوة، وأبطلوا الأعمال والأركان، وقالوا بعقولهم وبكفرهم وبإلحادهم ما لم ينزل الله به من سلطان.
وقد أنذر الله جميع هؤلاء فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا))، أي: نحن نعلمهم ونعلم أسماءهم ونرى أعمالهم، وسنحاسبهم على ذلك الحساب العسير والطويل، ويعذّبون عليه العذاب الشديد الأليم.
وقوله تعالى: ((لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا)) تهديد، أي: إنا قد علمناهم وعلمنا أعمالهم فإذا لم يتوبوا ويتداركوا حياتهم وشبابهم وفراغهم وصحتهم، فلينتظروا، فيوشك عن قريب أن يأتيهم ملك الموت فلا تفيدهم طاعة ولا توبة ولا ندم عما فات.


الصفحة التالية
Icon