تفسير قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [فصلت: ٤٥].
هنا يعزي ربنا نبينا ﷺ ويسليه، فيقول له: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ))، أي: كما آتيناك القرآن واختلفوا فيه بين مصدق ومكذب، وبين مؤمن وكافر، فكذلك قوم موسى عليه السلام اختلفوا في الإيمان به، فكفر به أقوام وآمن به آخرون، فتلك طريقة الأنبياء في تصديق أقوامهم لهم وتكذيبهم لهم، فيؤمن بهم البعض ويكفر بهم البعض، وحساب الله بعد ذلك يشمل الكل، ثم إما إلى جنة وإما إلى نار.
قال تعالى: ((وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ))، أي: ولولا أنه سبق في علم الله أنه يؤخر العذاب والعقاب إلى يوم القيامة والعرض عليه لحاسبهم في الدنيا قبل الآخرة، ولحاسب قوم موسى وقوم محمد ﷺ أيضاً؛ ولكن سبق في علم الله أن الحساب الكامل الأكيد سيكون يوم البعث والنشور، وقد أخر عقوبتهم والفصل بينهم إلى قيام الساعة ومع كفرهم فإن كفرهم كفر تقليد غير مبني على وعي منهم.
قال تعالى: ((وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ))، أي: إنهم في شك هل هذا كلام الله أو ليس كذلك؟ وهل هذا نبي صادق أم كاذب؟ ولم يقرروا شيئاً فهم كفروا ثم شكوا في كفرهم، وآمنوا ثم شكوا في إيمانهم، فعاشوا في ريب وشك وتيه ودوران وضلال لم يهتدوا به إلى الطريق الحق إلى الطريق المستقيم.