استئثار الله بعلم الساعة
قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٧].
هذه الآية أول آيات الجزء الخامس والعشرين، وقد بقي لنا من كتاب الله وبيانه وتفسيره ستة أجزاء شاكرين الله حامدين له، وكما وفقنا إلى تفسير هذا فنرجوه جل جلاله أن يعيننا على الآتي فضلاً منه وكرماً.
قال تعالى: ((إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)) تقديم العامل على المعمول يفيد الحصر، وعلم الساعة خاص بالله، ووقت كونها من العلم الذي استأثر الله به، فلم يخبر به ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً.
فإليه يرد علم الساعة لا لأحد سواه من خلقه، وهذا قد كرره الله في مواضعه المناسبة من السور والآيات، ولا يعلم وقتها وساعتها إلا ربنا جل جلاله.
وقد جاء جبريل في صورة إنسان جميل الوجه عطر الثياب شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ودخل المسجد النبوي في المدينة المنورة ورسول الله ﷺ في حلقة مع أصحابه، فأخذ يسأله: ما الإسلام؟ ونبي الله ﷺ يجيب، ما الإيمان؟ ما الإحسان؟ إلى أن سأله عن الساعة فأجابه صلى الله عليه وسلم: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).
أي: كما أنك أنت تجهلها وتسألني عنها فكذلك أنا لا أعلمها، ولا أعلم وقتها ولا زمنها.
فعاد جبريل وأخذ يسأل عن علاماتها وعن أشراطها وعن الوقت الذي يمكن أن تأتي فيه هذه الأشراط.
وأما الأشراط فلها أشراط صغيرة وأشراط كبيرة، وأول أشراطها ظهور نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه علامة من علامات القيامة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى)، أي: ليس بينه وبين القيامة إلا كما بين السبابة والوسطى، ولكن كم مضى منها؟ فلما كنا جاهلين بقدر ما مضى، فنحن بالآتي أجهل.
وقد أتت العلامات التي سأل عنها جبريل رسول الله عليه الصلاة والسلام وغيرها: مثل انتشار الفواحش، والعقوق، والتنكر للأمهات وطاعة الزوجات، واتباع اليهود والنصارى، ونفور الناس من الإسلام وطاعة ربهم، وتسلط الكفار على المسلمين نتيجة بعد المسلمين عن دينهم.
ولا تزال العلامات الكبرى وهي عشر لم يأت منها شيء، وهذه العلامات منها: الدابة، والريح الحمراء، وخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، وآخرهن خروج الدجال، ثم لا يبقى في الأرض من يقول: ربي الله، ولا تقوم الساعة إلا على لكع ابن لكع، ولا تقوم على إنسان يقول: ربي الله.
وهذه العلامات العلامات الكبرى لم يأت منها حتى واحدة، مما يدل أنه لا يزال بين الناس وبين قيام الساعة الآماد الطويلة، وأما تحديدها فالله أعلم بذلك، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنه إذا بدأت أشراطها تسلسلت وانفرطت وتتابعت كما تتابع حبات العقد إذا انفرط.
قال تعالى: ((إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)) فإذا سألك سائل: متى الساعة؟ قل: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ﴾ [طه: ٥٢]، وقل: قد سئل عن ذلك رسول الله ﷺ سيد البشر والأنبياء لما سأله سيد الملائكة جبريل عليه السلام فقال له عليه الصلاة والسلام: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، أي: إني أستوي معك في عدم معرفتها.
ومع ذلك فإن أشراطها وعلاماتها تعطي الإنسان صفة وعلامة على قربها، وإن كان ذلك غير محدد، وقد ورد أنها تقوم في يوم الجمعة، ولكن الجمعة في الشهر أربعة أيام، وفي السنة ثمانية وأربعون جمعة.
وقوله: ((إِلَيْهِ)) أي: إلى الله.
((إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)).


الصفحة التالية
Icon