علم الله بما يخرج من الثمرات وما في بطون الحوامل
يقول ربنا: ((وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا))، وقرئ: (ثمرة)، وهي قراءة الجمهور.
والثمرات: جمع ثمرة، وهي كل ثمرة تثمر ويستفيد منها الإنسان وغير الإنسان من بقية الحيوانات.
((مِنْ أَكْمَامِهَا)) جمع كمة، وهي: الثمرة قبل أن تخرج من بذرتها ومن مكانها من الشجرة، فهذه الأكمام الله يعلم بها قبل خروجها، ويعلم متى ستخرج، وهل ستنضج أم لا، وهل ينتفع بها إنسان أو طائر، وهل ستكون حلوة أو مرة، وهل ستنفع أو تضر، كل ذلك يعلمه الله جل جلاله.
فقوله: ((وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا)) أي: من براعيمها، وعندما تخرج من ذلك البرعم الذي يكون منطوياً عليها، وهو وعاء تلك الثمرة، وعندما تزهر وتسقط أوراق تلك الزهرة فتنظم عليها، وقبل أن تتفتح عليها وتخرج يعلم الله ذلك، وبإذنه وبعلمه يكون كل ذلك.
وقوله: ((وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ))، أي: خروج تلك الثمرات من أكمامها ومن براعمها وحمل الأنثى سواء كانت أنثى إنسان أو جان أو حيوان أو أية أنثى من إناث الكون الله يعلم حملها، وبإذنه يكون ذلك، ثم إذا وضعت، يعلم ربنا ذلك، وبعلمه وبإذنه يكون ذلك.
قال تعالى: ((وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي)) أي: هؤلاء المشركون الذين لا يعرفون عن الله إلا ما يعرفه الوثني والذين جعلوا له ولداً وبنتاً وصاحبة وأشركوا معه غيره من الجمادات والملائكة والجن والإنس فهؤلاء يعلمهم ربهم، وهو وحده المنفرد بالعلم وبالخلق، وبإذنه وبعلمه يكون كل شيء.
ثم يختم هذه الحجج والبراهين العقلية القاطعة بقوله: إنهم يوم القيامة سيعرضون على الكتاب ويعرضون على الله، ثم يقول لهم ربنا يوم ذاك: ((وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي))، أي: يوم يعلن ربنا يوم القيامة لأولئك المشركين الذين أشركوا بالله غيره: أين هؤلاء الشركاء؟ وما صنعوا في الخلق وفي الموت وفي الحياة؟ وكيف هم اليوم مع الآخرة؟ وإذا بالمشركين إذ ذاك عندما يبعثون ويحيون مرة ثانية ويعيشون ما أنكروه من البعث والنشور يجيبون: ((قَالُوا آذَنَّاكَ))، أي: أعلمناك وأسمعناك.
((مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ))، أي: لن يشهد أحدنا بأن لله شريكاً، أي: رجعنا عن اعتقاد ذلك وكفرنا بذلك، يقول ذلك كل من أشرك به نبياً أو جناً أو بشراً أو ملكاً، فهناك من يقول عن الملائكة: إنهم بنات الله، وهناك من أشرك مع الله جناً، ومن أشرك مع الله بشراً كـ مريم وعيسى والعزير وغير أولئك.
فيجيب هؤلاء الملائكة والجن والإنس: ((آذَنَّاكَ))، أي: أسمعناك وأعلمناك، ونخبرك ربنا! وأنت الأعلم أنك لا شريك لك، فأنت الواحد المنفرد بالخلق، لا ثاني لك في ذات ولا صفات ولا في أفعال.
ولكن لا ينفع هذا المشركين إذ ذاك، كما قال تعالى: ﴿لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨] فهذا لا ينفع والروح في الغرغرة، فكيف وقد ماتوا وانتهوا ومضت قرون بعد قرون حتى جاء البعث ورأى الناس ما آمنوا به غيباً في الحياة الدنيا واقعاً وشهوداً وحضروا إليه بالأشباح والأرواح في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون؟


الصفحة التالية
Icon