عجز الإنسان وحقيقة الاكتشاف
والله تحدى البشر كلهم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: ٧٣]، أي: ذبابة لم يخلقوها.
ثم كل هذا الذي نراه ونرى عجائبه وغرائبه يقولون: ليس خلقاً ولكنه تركيب! وليس اختراعاً ولكنه اكتشاف! والاكتشاف يعني: أن هناك نافذة عليها ستار، فإذا أزيل الستار رأيت ما وراء النافذة، فلو جاء إنسان وأخذ الرداء وكشفه وعرف أن خلفه كذا وكذا من بساتين أو بحار أو ناس فهو لم يزد على كشف الستار، وهكذا هي أسرار الكون والطبيعة، فهي كما خلقها الله، جاءوا فاكتشفوها، وعلموا أن في أجوائها ما يسمى أثيراً وما يسمى هيدروجين، وأن الطائرة تستطيع أن تحلق إذا كانت بقوة دافعة قدرها كذا كذا، ووزنها كذا كذا.
وبدءوا هذا بخاطرة، بل بشيء جاء بالصدفة، فقد كان أحدهم جالساً ولعله كان حشاشاً، ثم جعل ماء على إبريق صغير ليشرب كأس قهوة أو شاي، وإذا بالماء قد اشتد غليانه، ثم هذا الغليان دفع الغطاء فصوت الغطاء عندما زال، فرآه محمولاً على البخار، وأخذ يفكر ما الذي حمل هذا الغطاء؟ لم لا يسقط؟ إلى أن عرف أن ذلك بسبب البخار؛ إذاً: البخار فيه قوة، فجرب ماء أكثر فصعد أكثر، فجرب ماء أكثر فصعد أكثر، فكان ما يسمى بعصر البخار، وهو عصر البواخر والمعامل والآلات التي تذهب وتتحرك بالبخار.
ثم اكتشف البترول وكان معروفاً، ولكنهم لم يكونوا يعرفون له معنى، وبعضهم كان يشغله في الإضاءة كما نشغل الزيت والشمع في الإضاءة، وأما معرفتهم أن فيه قوة دافعة ودافقة، فهذا حدث أيضاً بالصدفة، ثم تزايد وتزايد والله هو الذي خلق ذلك وصنعه، وهو الذي وفقنا لاكتشافه وصنعناه بالعقل وبالتدبير وبالفكر الذي خلقه الله.


الصفحة التالية
Icon