ديننا دين القراءة والعلم
والإنسان إذا فقد عقله لم يتعلم ولم يكن شيء، والله هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وأول آية نزلت في كتاب الله وعلى خاتم رسل الله نبينا عليه الصلاة والسلام: اقرأ، فكانت القراءة أول آية نزلت على نبينا ﷺ بواسطة جبريل من رب العزة جل جلاله، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: ١ - ٤].
فذكرت القراءة والقلم في أول آية.
فهذا القلم الضعيف الهزيل الذي يكتب علوم الأولين والآخرين، وهذه القراءة التي اكتشفت فيها الحروف ومعاني الحروف منذ آماد، هو الاختراع الذي لم يأت بعده مثله قط، وهذا الحرف الذي لا يزيد على شرطة مستطيلة أو مربعة أو مسلسلة أو مثلثة أو مستديرة، وكل دائرة من هذه الدوائر تدل على معنى من المعاني سجل به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلوم الأوائل والأواخر وما كان وما يكون.
والذي أتى بهذا كان أمياً، والأمي إذا رآك على كتاب قال: هذا مسكين، يؤذي بصره ويضيع وقته، ولا يرى في ذلك إلا ألاعيب أرجل الدجاج وأيدي الأطفال.
والأمر ليس كذلك، فهو الأمر الذي أمر الله به نبيه ﷺ ليأمر به أمته، قال تعالى: ((اقْرَأْ)).
فالإسلام ابتدأ أول ما ابتدأ بالعلم وبالقراءة وبالقلم، وقد أعلى الله شأن العلم في كتابه، وجعل العلماء في الدرجة الثانية بعد الأنبياء، وأشاد في كتابه بهم وأشاد بهم النبي عليه الصلاة والسلام، وما جعل ورثته وخلفاءه إلا العلماء.
وقال ربنا: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]، وقد قرئ: (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء)، وذلك لما يحملون في صدورهم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحكمة التي تنفع الناس مدة وجودهم على هذا الكوكب الأرضي.
قال تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ))، وقد أرانا وأطلعنا وسيطلع الذين يأتون بعدنا على أكثر مما أرانا.
والآفاق جمع أفق، وهي نواحي العالم، وهي السماء والأرض.
((حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)) أي: حتى يظهر ويتأكد ويعلم ذلك بالدليل والبرهان من يستطيع ذلك، فمن هداه الله ووفقه سيفهم ذلك، ومن غطى الران على قلبه فلا يزيده ذلك إلا جهلاً وظلاماً، كأولئك الذين عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام رأوا أنواره المتلألئة وصدقه الذي ينبئ عنه وجهه قبل أن يتكلم، ورأوا معجزاته، وقد مضى على وجوده في الأرض أربعون عاماً وليس له علم ولا قراءة ولا معرفة، وقد كان على خلق كريم، فلم يعرف بكذبة ولا بغدرة ولا بسجدة لغير الله، إلى أن أمره الله بعبادته، ومع ذلك فإنك تجد البعض مثل أبي لهب وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وكل من لم يسلم لم يدخل حب النبي بين جنبيه.
ومن هنا قال أحد الناس للمقداد بن عمرو بن الأسود رضي الله عنه: ليتنا أدركنا رسول الله ﷺ فرأيناه ونصرناه، فقال له: لا تقل ذلك، فقد تدرك رسول الله ﷺ ولا تؤمن به، وقد أكرمك الله الآن، فآمنت به وبكتابه وصدقت برسالته، فأنت أفضل وأكرم من الكثيرين ممن رأوه ولم يؤمنوا به، ولم يصدقوه.
وهذا كلام حق.
وقوله تعالى: ((أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ)) أي: أولم يكف ربك؟ فهو فاعل جر بالحرف، ولكن معنى الفاعلية لم يزل، والمعنى: أولم يكفك أيها السامع! أن يكون ربك شاهداً على صدق القرآن وصدق رسالة محمد ﷺ وصدق الحق وضياع الباطل وأوهامه، وأنها من وحي الشياطين، وأنها تضر أصحابها ولا تنفعهم.


الصفحة التالية
Icon