فضل اللغة العربية
فقوله: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ١ - ٢]، أي: قسماً بكتاب الله، ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ٣] هذا هو المقسم عليه، يقسم ربنا جل جلاله بكتابه البين الواضح المشرق النير المدرك، المجهول من أهل الجهل وأهل العلم وممن سعى في ذلك، بأنه جعل القرآن عربياً وأنزله عربياً، وتكلم به عربياً، فأنزله على سيد البشر محمد ﷺ وأوحاه إليه بالعربية التي هي لغة أهل السماء.
وقال علماؤنا: العربية لغة أهل الجنة، والقرآن نزل بأشرف لغة من لغات الأرض، وتكلم بها أشرف نبي على أشرف الأقوام صلى الله على نبينا وعلى آله.
وأول ما نزل القرآن على العرب، ثم تداوله الخلق من العرب والعجم، فالله أمر أول ما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بأن يدعو قومه، فقال: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤]، ثم بعد ذلك أمره ربه فقال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، فهو رسول الله المرسل بالقرآن وبآخر دين في آخر الزمان، أرسله لكل البشر عربهم وعجمهم، أبيضهم وأحمرهم وأسودهم، وأنزله بلغة العرب، فكان العرب أول من حوسب بهذا الكتاب الكريم، وبهذه الرسالة الشريفة الكريمة فهي لغتهم الرسمية التي عليها نشئوا، وفي ظلالها تربوا، فكانوا يفهمون كتاب الله كما يفهم أحدنا لغته الدارجة الشعبية بحكم تربيته ونشأته.
فكانت لغة القرآن الكريم ليست بالشيء الصعب عليهم، ولا بالشيء العسير، وهكذا فقد بقي عليه الصلاة والسلام بينهم ثلاثاً وعشرين سنة يعلمهم كتاب ربهم، ويبين لهم فصاحته وتفسيره وبيانه وحكمته وأحكامه في سنته المطهرة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، ثم زحف المجاهدون والدعاة إلى الله في مشارق الأرض ومغاربها مذكرين بهذا الكتاب الكريم، وبهذه الرسالة البينة الواضحة، فآمن بها من في المشرق والمغرب، وعلموا أول ما علموا لغة كتاب الله ولغة رسول الله التي بها نزل القرآن وفسر، حتى صارت اللغة العربية لغة الأمم والشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وصار العجم بعد ذلك علماء في التفسير والحديث وعلماء في لغة العرب، فكان إمام التفسير هو محمد بن جرير الطبري، وهو أعجمي طبري، وكان إمام المحدثين هو الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري، وكان أعجمياً فارسياً، وكان عالم اللغة والنحو الإمام سيبويه أعجمياً، وهكذا تتابع القوم.
فعلم النبي عليه الصلاة والسلام قومه وعشيرته، ثم زحفوا بكتاب الله وبدين الله إلى مشارق الأرض ومغاربها، بدءاً من خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة آخر الخلفاء الراشدين إلى من جاء بعدهم من بني أمية وبني العباس وبني عثمان، فنشروا الإسلام بلغة العرب، ونشروا القرآن كذلك، فكان رسول الله إلى العرب، ثم العجم والناس كافة، وكان العرب رسل رسول الله إلى العرب والعجم.