تفسير قوله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)
قال الله جل جلاله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ٤٤].
يقول ربنا جل جلاله بأن القرآن الكريم تذكير لك يا محمد وشرف لك ولقومك قريش وسائر العرب.
﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ٤٤] وسوف تسأل أنت وهم يوم القيامة عن هذا الشرف العظيم، فالقرآن نزل بلغتك ولغة قومك، وهذه الرسالة كانت فيكم معاشر العرب، ماذا صنعتم بها؟ هذا الشرف هل قمتم بواجبه؟ والرسالة هل قمتم بالدعوة إليها وبها؟ فليس الكبير مسئوليته مسئولية صغيرة، هل قاموا بها كما أمرهم الله جل جلاله؟ ولذلك فإن نبي الله عليه الصلاة والسلام قال في حجة الوداع وهو يخطب: (لعلي لا أراكم بعد عامي هذا، فهل بلغت؟ فيقولون له: نعم قد بلّغت وأديت الأمانة وأحسنت البلاغ، فيشير بأصبعه السبابة إلى السماء ثم إلى القوم ويقول: اللهم اشهد).
ومعنى ذلك أنه يسألهم في دار الدنيا ليشهدوا له يوم القيامة أنه بلّغ ما أُرسل به، وأدى ما شُرّف به من هذه الرسالة، قال تعالى: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣].
والقرآن شرف لقومه؛ لأن اللغة التي نزل بها القرآن هي اللغة العربية، والنبي عليه الصلاة والسلام شرف لقومه؛ لأنه من سلالة عبد المطلب وهو من بني هاشم، وبنو هاشم من قريش، وقريش من العرب جميعاً فهو شرف لهم وعز لهم، والله يقول مذكراً لهم بهذا: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] فالقرآن والإسلام والرسول شرف للعرب وذكر للأولين وللآخرين، قال عليه الصلاة والسلام: (لقد كنت نبياً وآدم بين الماء والطين، إنني دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورؤيا أمي، لقد رأت عندما كانت حاملاً بأنه أشرق منها نور أضاءت له قصور الشام وقصور بصرى).
فكان عليه الصلاة والسلام مذكوراً مشرّفاً قبل أن يخرج لهذا الوجود، بل قبل أن تنفخ الروح في أبيه الأول آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقد أحسنت قريش أخذ هذا الأمر -بعد أن ضل من ضل، وعوقب من عوقب ولكن الأمر بقي في قريش بعد ذلك- وكان منهم المهاجرون والرعيل الأول الذي قام على عواتقهم هذا الإسلام العظيم، ففي مدة اثني عشر عاماً في مكة تحملوا العذاب والاضطهاد والإبعاد، وتحملوا أخذ الأموال وإفساد الأزواج وأخذ الغلمان والعبيد، ثم هجروا أوطانهم وذهبوا إلى أرض ما عاشوا وما عاملوا فيها أهلها، واتخذوها موطناً ومسكناً، وكانوا بعد ذلك حملة الرسالة المحمدية لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكان الخلفاء الراشدون منهم، فـ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن كلهم من قريش، فقد علموا لهذا الشرف شرفه وعرفوا له مجده وذكره فازدادوا عبادة لله وطاعة لرسول الله وعملاً بنشر هذا الإسلام.


الصفحة التالية
Icon