تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزخرف: ٤٦].
الله كثيراً ما ينظّر ويضرب الأمثال والأشكال في الرسالة المحمدية وفي الرسالات السابقة؛ كالرسالة العيسوية والرسالة الموسوية، فعندما جاء الإسلام وجماهير من الناس يدّعون أنهم أنصار عيسى، وآخرون يدّعون أنهم أنصار موسى، ولكنهم جميعاً قد بدّلوا وغيّروا وزيفوا وحرّفوا في كتبهم التوراة والإنجيل، أما المسلمون فما حاولوا التحريف والتبديل في القرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].
لكن قد يكون التحريف في التفسير وفي الشرح وفي الفتوى وفي الاجتهاد عن نية سيئة أو عن جهل بالنصوص، ولا يحق للجاهل أن يفتي في دين الله ولا أن يتلاعب بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فكان اليهود الذين أذلهم الله وغضب عليهم، والنصارى الذين جهلوا دينهم وضلوا عن سواء السبيل، فاليهود هم الذين حاولوا قتل عيسى، وكانوا يقولون عنه الإفك في حياته وبعد أن رفعه الله إلى السماء وحاشاه من ذلك، وأخذوا بعد ذلك يضللون أتباعه ويقولون عنه أنه إله وهو ثالث ثلاثة تعالى الله عن كل ما يقولون علواً كبيراً.
فكان القرآن يضرب المثل ليفهم المسلمين أنهم إذا فعلوا فعل اليهود يلعنهم الله كما لعن اليهود.
وهذا فعل في عصرنا عندما بدّلوا وغيّروا وحرّفوا وتركوا كتاب الله وراءهم ظهيراً، وأخذوا يتبعون اليهودية بشيوعيتها وماسونيتها ويتبعون الملل الكافرة الملحدة، فعندما أخذوا يجرون وراءها سلّط الله عليهم النصارى أولاً ثم اليهود بعد ذلك، ثم الجميع عقوبة من الله، وقد أنذرهم قبل ذلك نبيهم والكتاب المنزل على نبيهم فما رعوه حق رعايته وما اتعظوا وما عادوا وما تابوا، ولن يرفع الله مقته وغضبه على المسلمين حتى يعودوا إلى ربهم وإلى كتابه فيحكّمونه فيما بينهم، وإلى نبيه فيلتزمون طاعته والعمل بشريعته وإلا فالأمر لا يزداد إلا شدة، والله جل جلاله ذكر ذلك في العشرات من السور والمئات من الآيات، وما من ذنب إلا بمعصية، ولذلك الله يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠] فهذه المصائب نتيجة كسب اليد من الكفر بالله والجري وراء اليهود والنصارى والمنافقين من سكان البلاد.
فقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ [الزخرف: ٤٦] أي: بما يصدّق رسالته من الآيات الواضحات والمعجزات الكاشفات ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [الزخرف: ٤٦] أي: إلى فرعون وقومه من أشرافهم وكبارهم وصغارهم، فجاء إليه موسى فقال: ﴿إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزخرف: ٤٦] أي: جئتك يا فرعون! ويا قومه، وأيها المستعبدين له من الأسباط رسولاً من رب العالمين، لأدعوكم إلى عبادة الله الواحد وأن تتركوا فرعون وتألهه ودجله وأكاذيبه وأباطيله.


الصفحة التالية
Icon