تفسير قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون)
قال تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ [الزخرف: ٥٧]، أي: لما ضرب الله عيسى بن مريم مثلاً وذكره وجعله مثالاً للعبد الذي خلقه الله وجعله آية من الآيات لنبي إسرائيلي كآدم عليه السلام فقد خلق بلا أب ولا أم، خلقه من تراب ثم نفخ فيه من روحه فكان بشراً سوياً، وخلق عيسى لأم بلا أب، قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]، ضرب الله عيسى مثلاً لبني إسرائيل وللعرب ولمن أمر بأن يؤمن بالنبي ﷺ خاتم الأنبياء.
والله تعالى أرسل عيسى نبياً وإذا قومه يعبدونه ويؤلهونه، فيقول قوم منهم: هو الله، ويقول آخرون: هو ابن الله، ويقول آخرون: هو ثالث ثلاثة كذباً على الله وافتراء، فانتقم الله منهم وأذلهم وجعلهم أسلافاً وأمثالاً لمن يأتي بعدهم، وضرب الله عيسى بن مريم مثلاً لقوم نبينا وهم قريش ليتخذوا منه عبرة وعظة وإذا بهم يصدون ويستكبرون ويجادلون الحق بالباطل، وقد قال الله لقريش بل ولقومه خاصة: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، قال الله لهم: أنتم وما ألهتموه من أوثان وشياطين وحيوانات فأنتم وإياها وقود جهنم أنتم لها داخلون وفيها مقيمون دائمون.
وعندما قرأ النبي عليه الصلاة والسلام على قومه هذه الآية وهم جلوس فسكتوا وعجزوا عن الجواب وأفحموا، وقال كاذبهم الذي قتله النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر وهو عبد الله بن الزبعري: لو كنت حاضراً حديث محمد ﷺ لقلت له: فنحن العرب نعبد الملائكة، والنصارى يعبدون عيسى، واليهود تعبد عزيراً، فكيف يكون هؤلاء في النار حصب جهنم هم فيها خالدون.
والرد على هذا الكافر فيما يلي: أن الله عز وجل قال: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، ولم يقل: ومن تعبدون، فإن من للعاقل وما لغير العاقل مما لا يعقل من حيوان أو جماد وما يشبه ذلك.
وأما عيسى والملائكة والعزير فلا تستعمل معهم ما وإنما تستعمل من، فما أجهله بمراده.
وقوله تعالى: ﴿يَصِدُّونَ﴾ [الزخرف: ٥٧] قرئ (يصِدُّون) بكسر الصاد، أي: يضجون ويصرخون ويجادلون بلا دليل ولا برهان، وقرئ (يصُدُّون) أي: يبتعدون عن الحق وعن الآيات الكريمة ولا يريدون معرفة الحقائق بجدالهم الباطل.


الصفحة التالية
Icon