تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل)
قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الزخرف: ٥٩].
إن: نافية، أي: ليس هو إلا عبداً لله أنعم الله عليه بالنبوءة وبالرسالة وبالحكمة وجعله عبرة لقومه ومثالاً يحتذى ويطاع ويمتثل أمره ويجتنب نهيه ويتبع في نبوءته ورسالته وحكمته من قومه بني إسرائيل، فليس هو بإله كما زعم النصارى، وليس هو بكاذب أو ابن لـ يوسف النجار كما زعم اليهود، فلعنة الله على اليهود والنصارى معاً.
والقول الحق أنه كآدم، فكما خلق الله آدم بلا أب ولا أم جعل الله عيسى آية في بني إسرائيل وعبرة للخلق بعده فجعله من أم بلا أب، وليس كما زعم اليهود أنه جاء سفاحاً، ومعاذ الله أن يكون النبي الكريم والعبد المنعم عليه كما يزعمون ويفترون.
فالنصارى أغرقوا بالدعوى الكاذبة أنه إله، واليهود أغرقوا في سب عيسى والتنقيص من منزلته ومقامه، فضل الأولون والآخرون، وقال المسلمون ما قاله ربهم: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ﴾ [الزخرف: ٥٩]، أي: ليس هو إلا عبداً من عباد الله كآدم وبقية الأنبياء في كونهم عباد الله المكرمين يفعلون ما يؤمرون، وأنعم عليه بأن أعطاه من النعمة بأن جعله نبياً ورسولاً من أولي العزم من الرسل.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الزخرف: ٥٩]، والله جعله عبرة وجعله مثلاً لبني إسرائيل ليزدادوا شكراً وحمداً لله على ما أكرمهم به من خاتم أنبيائهم وهو عيسى عليه السلام، ولكن اليهود عليهم لعنات تترى قتلوا الأنبياء بل وحاولوا قتل عيسى، قال تعالى: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٧]، ولكنهم أصروا على أنهم هم الذين قتلوه واتبعهم في هذا الباطل وصدقهم النصارى من بني إسرائيل -وإن كان كلهم يهود- كالذي اتبع عيسى ثم كفر به وقال عنه أنه إله، والذي كفر بعيسى وقال عنه أنه ابن يوسف النجار، وكل أولئك قد كذبوا النبي العبد المنعم عليه وقالوا قولاً وخصومة وجدالاً بلا دليل ولا برهان.