حكم بيع الصليب ولبسه
ومن أكثر ما يوجع القلب أننا نجد بعض الناس من المسلمين يعلقون الصليب على صدروهم ويبيعونه، وتجد شباباً وشابات ورجالاً وآباء يشترون ذلك لهم ويعلقونه على صدورهم، وبيع الصليب أو شراؤه لتعليقه على الصدر ردة وخروج عن الإسلام، ويجب البطش بهؤلاء والقضاء عليهم ويعتبرون من المرتدين؛ لأن معنى تعليق الصليب وشراءه لمن يجعله في عنقه أنه يؤمن بأن عيسى قد قتل وصلب، وجعل شعار صلبه في عنقه، وإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٦١]، أي: وإن عيسى لعلم للساعة ونزوله من السماء ومكثه في الأرض أمارة وعلامة على قرب قيام الساعة وهو من العلامات الكبرى، وذاك ما تواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ورواه العشرات من الصحابة، ونص على تواتره جماهير المفسرين والمحدثين والعلماء عن أنه لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم من السماء حكماً عدلاً يقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويهدم البيع والكنائس، ويدعو للإسلام، ويقتل اليهود والنصارى إن لم يسلموا، وينشر الإسلام بين جميع الخلق، وينزل في أرض الشام، ويدخل القدس عند صلاة العصر وقد قدم القوم إماماً للصلاة.
ومعناه: أنه إذ ذاك ستكون القدس تحت أيدي المسلمين وتنتهي هذه السحابة الصيفية التي عما قليل ستزول، وهذا يرد بعنف وبأدلة قاطعة على من زعم أن أحد هؤلاء الحضور الأعور الدجال، وأنه لن تنتهي دولة إسرائيل إلا مع نزول عيسى، وهذا جهل وعدم فهم للنصوص، فإن عيسى سينزل وقت العصر إلى القدس فيجد القوم قد قدموا إمامهم للصلاة فيرون عيسى فيلهمون معرفته ويقدمونه إماماً فيمتنع ويقول: بل بعضكم لبعض تبع، ويصلي مؤتماً بإمام المسلمين، وما يصنعه وما يفعله من كسر الصليب وقتل الخنزير ومنع اليهودية والنصرانية ليس ذلك تشريعاً جديداً ولا ديناً جديداً، ولكنه سينزل تابعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام مسلماً من المسلمين وهو على دينه وسيصلي صلاة المسلمين ويحج حج المسلمين، ولم يرد أنه يصلي إماماً؛ لأن الإمامة ليست له فقد انتهت إمامته بإمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكسره للصليب وقتله للخنزير وهدمه للبيع والكنائس إنما هو بأمر رسول الله.
وقد اجتمع به ليلة الإسراء في السماء الدنيا وصلى به إماماً مع جميع الأنبياء في المسجد الأقصى في القدس ردها الله دار إسلام، وأخرج منها القردة والخنازير وعبد الطاغوت وأتباعهم من المتهودين والمرتدين من أعداء الله.
فنزول عيسى حق، وسينزل والدجال في الأرض وسيذوب الدجال كما يذوب الملح في الماء، وسينتهي موضوع الدجال، ويكون نزول عيسى العلامة الثالثة أو الرابعة من العلامات الكبرى التي منها المهدي المنتظر والدجال والدابة والدخان والريح الحمراء التي تأتي من عدن فتسوق الناس إلى أرض المحشر، وهي ضمن عشر علامات كبرى.
وفي زمن عيسى سيكون الناس في أرغد العيش من الرخاء وكثرة النعم والخيرات ومن وفرة الأموال حتى إن الزكاة لا يقبلها أحد، فيخرج الرجل بماله فلا يجد من يأخذه فيقال له: لست في حاجة إليها، ويكون الناس جميعاً أغنياء، ثم تتدهور بعد ذلك الحالة إلى أن يصل الأمر كما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة وعلى الأرض من يقول: ربي الله)، أي: لا تقوم الساعة إلا على الكفار، فتقوم الساعة ولا يدرى متى وقوعها إلا بزلزلتها وقد صرع من كان يمشي، ومن كان يأكل تجمد يده على الطعام، وهكذا لا تأتيكم إلا بغتة، ولم يعلمنا الله ورسوله منها إلا بأماراتها الصغرى والكبرى، أما متى وقوعها فذاك علم استأثر به ربنا.
ولذلك لما سأل جبريل نبينا ﷺ قال: (متى الساعة؟ قال: ليس المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: ما أماراتها؟ فقال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة الرعاة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)، فهذه علامات صغيرة قد ظهرت جميعها.
وأول علامة صغرى هي مجيء نبينا صلى الله عليه وعلى آله فقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى).
وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ﴾ [الزخرف: ٦١]، يأمر الله جل جلاله نبيه أن يخبر بأن نزول عيسى علم للساعة وعلامة عليها وعلى قربها، ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ [الزخرف: ٦١] أي: فلا تشكوا ولا ترتابوا في أن الساعة قائمة لا محالة، ولا يرتاب فيها مؤمن ولا ينكرها مسلم، ومن أنكرها أو ارتاب فيها فهو كافر.
وقوله: ﴿وَاتَّبِعُونِ﴾ [الزخرف: ٦١] يأمر الله الخلق أن يتبعوا نبينا عليه الصلاة والسلام في أوامره واجتناب نواهيه، فدين الحق هو الصراط المستقيم، وهو الطريق الموصل للحق لا اعوجاج فيه، فمن سلكه من البداية يستطيع أن يصل به إلى النهاية، من غير بنيات الطرق، وهذا لمن هداه الله، وأرشده للحق بلا بدع وخرافات وأضاليل وأكاذيب، فإن الحق بين وواضح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)، وما جاء العلماء إلا ليبلغوا عن رسول الله ﷺ وعن كتابه علمها ومعرفتها والتحقق منها، أما ما سوى ذلك من الأمور الضرورية للمسلم يومه وليلته وفي بيته وخارجه فإنه يعلمها، وإن كانت الأمور أخذت تتغير، فقد توارثت أجيال الكفر جيلاً بعد جيل، فتجد الولد لا يصلي والأب لا يصلي، والجد لا يصلي، وتجد الجهل بالإسلام في البيت المسلم إلى ثلاثة أجيال أو أكثر، فينشأ الجيل فاسداً قبيحاً، إلا إذا رزقه الله مدرسة صالحة ومعلماً صالحاً يعلمه دينه ويرشده إلى الصراط المستقيم.