تفسير قوله تعالى: (إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم)
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف: ٦٤]، ما دعاهم إلى عبادته وعبادة أمه، وما دعوى بني إسرائيل في ذلك إلا كذب وبهتان، وقد كذب بنو إسرائيل بعضهم بعضاً، وهو يقول لهم: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الزخرف: ٦٣]، فيأمرهم أن يطيعوه: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾ [الزخرف: ٦٤] أي: إن الله ربي، فلست رباً إنما أنا عبد له، وإنما أنا نبي ورسول له، فأنا وأنتم عبيد له، فالله هو ربي وخالقي ورازقي والمدبر لأمري، والمحيي والمميت لي ولكم.
وقوله تعالى: ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾ [الزخرف: ٦٤] أي: أخلصوا العبادة له، ولا تشركوا معه أحداً، فما أمرهم نبيهم إلا بعبادة الله، وما دون ذلك فكذب وزور وباطل، إنما أمر بعضهم بعضاً بالكفر والوثنية، ولم يأمرهم نبيهم بشيء من ذلك.
وقص الله علينا أنه سيقول يوم القيامة لعيسى وأتباعه من النصارى الذين زعموا أنه إله: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: ١١٦]، فالله جل جلاله في يوم القيامة سيفضح النصارى على رءوس الأشهاد، فيكذبهم نبيهم عيسى، وأنه ما دعاهم يوماً إلى عبادته، ولا إلى ألوهيته، ولا إلى عبادة أمه، ولا إلى ألوهيتها، ما دعاهم إلا إلى عبادة الله الواحد، وهو كما يقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف: ٦٣ - ٦٤].
والصراط المستقيم هو الطريق السوي الذي لا عوج فيه ولا أمتاً، وهو عبادة الله الواحد، وهو أن الأنبياء جميعاً عبيد الله، وقد أرسلهم الله منذرين ومخبرين ومبلغين رسالات الله أن اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.
ولم يأتِ نبي إلا وجاء بعبادة الله الواحد، ومن هذا قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد)، كل الأديان دعت إلى عبادة الله، ولكن الشرائع والأحكام والقوانين مختلفة، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨].
وكل طريقة أو حكم أو قانون فقد خص الله به كل قوم وكل ديانة حسب ما يليق بعصرهم، وبزمانهم، وبمقدار فهمهم وإدراكهم وعقلهم، فالسابقون كانت عقولهم صغيرة وضعيفة، وخاطب الأمة المحمدية وقد كانت أعقل الأمم السابقة على الإطلاق؛ ولذلك فقد أزال الله عنهم ما كان فيمن كانوا قبلهم من السلاسل والأغلال والضيق.
وقد دعا عيسى بني إسرائيل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦] أي: يأتي مبشراً بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر، وبزوال الأغلال وما كان عليهم من ثقل في الأوامر والنواهي، وهو تلك الرحمة التي قال الله عنها: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، والتي قال عن نفسه فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة).