تابع تفسير قوله تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
قال الله جل جلاله: ﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٦٧].
الأخلاء: جمع خليل، وهم الأصدقاء والأحباب المتحابون في الدنيا، فإنهم في الآخرة بعضهم أعداء لبعض إلا المتقين.
فالأخلاء والأحباب الذين تكون محبتهم ومودتهم مقصورة على الدنيا، في يوم القيامة ينقلب بعضهم على بعض عدواً، فيشتم بعضهم بعضاً، ويهجر بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً بأقبح الصفات والنعوت.
لكن الإخلاء المتقون، والأحباب في الله، والإخوان في الله تبقى أخوتهم وخلتهم في الدنيا والآخرة، بل وتزداد في الآخرة؛ لأن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، قال النبي ﷺ في الحديث الشريف: (المتحابون في الله هم على منابر من نور يوم القيامة)، وفي الحديث الشريف: (سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- أخوان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه)، فاللذان تحابا في الله واتفقا عليه يكونان يوم القيامة في ظل العرش مع النبي ﷺ وصحبه والصالحين من أتباعهم.
يقول علي كرم الله وجهه: هنالك خليلان مؤمنان وخليلان كافران: أما الخليلان المؤمنان فيموت أحدهما فيقول: يا رب إن خليلي فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويخبرني بيوم لقائك، ويدعوني إلى الطاعة والحسنات، ويأمرني بالبعد عن الشر والمخالفات والسيئات فيا رب كما أكرمتني أكرمه، وكما أحسنت إليّ فأحسن إليه، فيأتي خليل هذا المؤمن، ويلتقي وإياه في الآخرة فيسأل: كيف خليلك؟ فيقول: كان نعم الصاحب لي، وكان نعم الخليل لي، كان يأمرني بطاعة الله ورسوله، ويخبرني بلقاء ربي، ويبعدني عن أهل الأدواء والأشرار، ويقول الثاني له مثل ذلك.
والخليلان الكافران يموت أحدهما فيقول: يا رب إن خليلي فلاناً كان يبعدني عنك، ويأمرني بالمنكر، وينهاني عن المعروف، ويأمرني بالباطل وبمصاحبة الأشرار، فخذه إليك وعامله كما عاملني، فيلتقيان يوم القيامة، فينعت أحدهما الآخر بأنه كان بئس الصاحب والخليل.
ففي يوم القيامة الأخلاء الكفرة أعداء بعضهم لبعض حينما كانت خلتهم للشيطان، فكم من غريب في يوم القيامة إلا المتقين الصالحين المؤمنين، فخلتهم وأخوتهم ستدوم بدوام الآخرة، ويكونون على منابر من نور كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم.