تفسير قوله تعالى: (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون)
يقول ربنا جل جلاله: ﴿يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف: ٦٨]، في يوم القيامة يعرض العباد على الله فيصيبهم الفزع وهم لا يدرون أللجنة مآلهم أم إلى النار مصيرهم، فتنادي الملائكة بأمر الله: ﴿يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ [الزخرف: ٦٨]، فتطاول أعناق المسلمين والكافرين والمنافقين فيقولون: نحن عباد ربنا فلا خوف علينا ولا حزن، ولكن عندما يقول الله جل جلاله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الزخرف: ٦٩]، يفزع الكفار والمنافقون لرعبهم، فلا ينتفع بهذا النداء غير المؤمنين بآيات الله ورسله وكتبه، بما جاء عن الله من الآيات البينات، وما جاء من أدلة واضحات تقطع بصدق الرسل والأنبياء، وما جاء عن الله من أوامر ونواه.
وكان المسلمون مستسلمين لأمر الله، مطيعين له، حيث أمرهم بالخير فعلوه جهد طاقتهم، وحيث نهاهم عن المنكر تركوه بكل ما يستطيعون.
فالمؤمنون بالله ورسله وكتبه يؤمنهم الله من الفزع الأكبر، فلا هم ولا حزن ولا خوف بتطمين الله لهم حينما يحزن الناس ويفزعون ويخافون على أنفسهم أن يكونوا في العذاب خالدين.
والمراد بـ ﴿الْيَوْمَ﴾ [الزخرف: ٦٨] أي: يوم القيامة، يوم العرض على الله.
فعباد الرحمن المؤمنون به المحسنون لا يخافون الفزع الأكبر، ولا يخافون الحزن، ولا يخافون الآلام، فالله قد أمنهم، وأنزل هذا الكتاب الكريم المعجز على خاتم الأنبياء ليبشرهم بهذا التأمين من الدنيا إلى الآخرة.
وكل إنسان على نفسه بصيرة، فالإنسان أدرى بنفسه، أمؤمن حقاً؟ أمخلص في إيمانه حقاً؟ فيعبد الله مخلصاً دون رياء ولا تسميع، فإن كان كذلك ومات على هذا فيرجو كل خير وكل فوز وكل نصر، فيدخل تحت قوله تعالى: ﴿يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الزخرف: ٦٨ - ٦٩].
و (الذين آمنوا) بدل عن (يا عبادِ) أي: يا عبادي الذين آمنوا بآياتنا، فهم الذين نودوا، وهم الذين شرفوا وكرموا بالنداء الإلهي، والتأمين الإلهي، فهم عباد الله المسلمون المؤمنون، الذين أمنهم الله في الدنيا مبشراً لهم على لسان آخر الأنبياء فيما أنزله في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
هؤلاء العباد المؤمنون بآيات ربهم المحسنون المسلمون الدائنون بدين الحق، المؤمنون برسول الله خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ومن جاء قبله من الأنبياء والرسل؛ تفصيلاً بمن ذكر اسمه، وإجمالاً بمن لم يذكر.
فالله ينادي عباده المؤمنين، ناسباً إياهم إلى ذاته الشريفة ومقامه العظيم، بأن يطمئنوا ولا يحزنوا ولا يخافوا.
ويقال لهم نتيجة ذلك يوم القيامة: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ [الزخرف: ٧٠].
فالجنة لكم خلقت، ولكم أعدت، وأنتم فيها خالدون خلوداً لا موت فيه ولا حزن ولا ملل ولا سأم، ادخلوها أنتم وأزواجكم المؤمنات بالله مثل إيمانكم، المسلمات بالله مثل إسلامكم، فكما اجتمعتم في الدنيا على طاعة الله والإيمان بالله ورسوله، كذلك تجتمعون في الجنة غير مكلفين بشيء، إن هي إلا اللذائذ، ولكم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون أبداً سرمداً.
وفسروا الأزواج بالنظراء، أي: ادخلوا أنتم ونظراؤكم، والأصل في معنى الزوج النظير، ويقال للزوجة زوج، كما يقال للرجل زوج، أي: أنهما اشتركا في الأولاد والحياة، واشتركا في قيام البيت، واشتركا في القيام بشئون الدنيا والآخرة، فكما اشتركا في ذلك في الدنيا، فإنهما يشتركان كذلك في الآخرة في الجنان.
اللهم اجعلنا منهم، وأكرمنا بما أكرمتهم، وأحينا مسلمين، وأمتنا كذلك محسنين لنفوز بهذا النداء الكريم: ﴿يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ [الزخرف: ٦٨ - ٧٠].
ومعنى: (تحبرون) أي: تنعمون، وتكرمون، وتفرحون، وهو مأخوذ من الحبور والسرور والبهجة، كما وصفهم الله بقوله: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] أي: ترى في وجوههم نضرتها وجمالها وبهاء النعمة، والرضا الإلهي والرحمة الإلهية.