تفسير قوله تعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون)
قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢].
يقول جل جلاله: تلك الجنة التي أصبحت من أملاكهم، وداراً من دارهم.
ونحن نقول: نرجو فضل الله وكرمه فتكون داراً من دارنا، فنحن نوحد الله، ونؤمن بخاتم الأنبياء وبالرسل قبله، فنرجو الله أن نكون من أهلها فضلاً وكرماً.
يقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ﴾ [الزخرف: ٧٢] أي: التي وصفها بما وصفها به، أن فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين بما فيها من صحاف الذهب وأكواب الذهب والغلمان الذين كأنهم اللؤلؤ المكنون، وما فيها من الحور العين، ومن الزوجات المؤمنات الصالحات اللاتي كن في دار الدنيا كذلك.
وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢]، أي: بسبب أعمالكم فضلاً من الله وكرماً، وبسبب توحيدكم وإيمانكم وإسلامكم، ولكن هذا السبب كان بفضل الله، وكان بكرم الله، وكما يقول الحكيم: إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق ونسب إليك.
فالله خلقك ووفقك للإيمان وللهداية، ووفقك للدوام على ذلك والرسوخ فيه، ثم وعدك على ما أعطاك وأنعم عليك لأنك عملت وعملت، فلك الجنة خالداً فيها، فأنت أحد وارثيها، وأحد ملاكها، وأحد قطانها والمقيمين فيها.
والمعروف في الإرث أنه يقال: يرث الولد أباه، ويرث العالم رسول الله في الدعوة إلى الله وفي العلوم والمعارف، وورثت الدولة أراضي غيرها، فالجنة ورثناها عن الكفار، قال عليه الصلاة والسلام: (لكل إنسان منزله من الجنة والنار).
أما المؤمن فيأخذ منزله من الجنة ويرث منزل الكافر من الجنة؛ لأن هذه المنزلة لا يدخلها الكافر، فالله قد حرم الجنة على الكافرين، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] فمكانه في الجنة يرثه المؤمن فيزيده على مكانه، والكافر يأخذ مكانه الأصلي في النار ويرث مكان المسلم فيها كذلك.
فإذاً: الإرث يكون إرثاً لمن كان يمكن أن يؤمن ويسلم ولكنه كفر ومات على الكفر، فلا ترجى له مغفرة ويحرم عليه دخول الجنة.


الصفحة التالية
Icon