تفسير قوله تعالى: (أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون)
قال تعالى: ﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ [الزخرف: ٧٩] هي كقوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ٥٠] ومعنى الآية الأولى: أم أبرموا مكراً أو حيلة، أو تواطئوا على حيلة بالابتعاد عن النار، أو في الإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في التنكر للإسلام أو حرب الإسلام.
فهؤلاء الذين أمرت أن تدعوهم إلى الإسلام من أهل المشارق والمغارب، من عاصرك ومن سيأتي بعدك هل تواطئوا على شيء وأحكموه واتفقوا عليه ليريدوا بذلك الكيد للإسلام والهجوم على الإسلام والكيد لرسول الله ﷺ والهجوم عليه، أو الكيد لكل ما هو من المقدسات في الإسلام؟ فهم أرادوا المكر فالله يمكر بهم، قال تعالى: ((وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) فهم لم يشعروا بمكر الله لهم، وهم كمن يبحث عن حتفه بظلفه، وكمن حفر حفرة ليقع فيها، فكانوا هم سبب بلاء أنفسهم، وسبب لعنة أنفسهم، وهم يظنون أنهم بذلك سيتحايلون على الله، وهل مع الله حيلة جل جلاله وعز مقامه؟ وكثير من الناس يتحايلون في شرب الخمر وارتكاب الربا ونشر الفساد وأكل المال بالحيلة وبالحرام، ومنهم من يسأل في الحج عن الرخص فيقولون: هل من الضروري أن نأتي منى؟ وهل من الضروري أن نأتي محرمين؟ ألا يكفي أن نحرم من جدة؟ ولماذا لا يكفي أن نحرم من مكة؟ أليس يكفي الوقوف في عرفات؟ ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة)؟ وهكذا فإنهم يريدون أن يقلصوا الحج ركناً بعد ركن، وواجباً بعد واجب.
وقد سمعت هذا في مجلس من عسكري في منصب كبير يريد أن يتكلم كلام العلماء فيقول: يجب أن يكتفي المسلمون بالوقوف في عرفة وذلك أيسر، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة)؟ والمجلس مليء بأهل العلم الفاهمين المدركين، ولكن كما قال تعالى: ﴿لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] ولو سكت من لا يعلم لقل الخلاف ولزالت الفتنة، ولكنه أكثر من يتكلم اليوم بالباطل وبالجهل وبما يتضاحك به عليه لجهله، ولجهله أنه يجهل، وهو ما يسمى بالجهل المركب.


الصفحة التالية
Icon