تفسير قوله تعالى: (وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما)
قال تعالى: ﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزخرف: ٨٥] تبارك: تقدس وتنزه وتعظم عن كل نقص وعيب لا يليق به جل جلاله، فالنقص والعيب لا يليقان إلا بالخلق من جن وإنس.
والله سبحانه وتعالى رب السماوات والأرض ومدبرهما وخالقهما وما فيهما، وخالق ما بين السماوات والأرض من الأفلاك والمجرات والخلق الذين لا يعلم حقيقتهم وأنواعهم إلا الله لا إله إلا هو.
وقوله: ((وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)) أي: علم تحديد وقت الآخرة باليوم والساعة والسنة، وقد انفرد ربنا بعلم ذلك واستأثر به ولم يعلم به لا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، قال تعالى: ﴿لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧]، وعندما سأل جبريل عليه السلام سيد الأنبياء والرسل نبينا عليه الصلاة والسلام فقال: (متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟) أي: علمك كعلمي فيها، فكما أنك لا تعلم تحديداً لوقتها فكذلك أنا لا أعلم ذلك، ولذلك انتقل من السؤال عن الوقت وعن تحديد الساعة إلى السؤال عن الأمارات والعلامات (قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها) إلى آخر الحديث.
وقوله: ((وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)) أي: أن الله انفرد بعلمها وبوقتها وبزمانها، لا يجليها لوقتها إلا هو، وتقديم المعمول على العامل يفيد الحصر.
وقوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزخرف: ٨٥] أي: أن كل الخلق؛ ملائكة وجناً وإنساً من آمن من الجن والإنس ومن أشرك، وقليل منهم آمن، قال تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة: ١٣ - ١٤]، فالخلق إليه جميعاً مرجعهم، ولا بد من يوم القيامة، وسترجعون إلى الله على الحالة التي متم عليها، وستعرضون على الحساب وعلى القضاء فإما إلى جنة وإما إلى نار، فمن فاز بالتوحيد ومات عليه فهو من أهل الجنة، ولو دخل النار فإنه سيمحص زمناً وتكون النتيجة الدخول للجنة، وأما من مات على الشرك فقد حرم الله الجنة والمغفرة على الكافرين، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨].
وسيرجع الخلق إلى الله جل جلاله حفاة عراة غرلاً، وكل إنسان يقول: نفسي نفسي، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٦] ولا يبقى أحد يستنجد بأحد لا بوالد ولا بوليد ولا بحمي ولا بصديق ولا بعدو، بل الأنبياء عندما تذهب إليهم الأمم والشعوب يستشفعون ويستغيثون بهم، فإنهم يقولون: نفسي نفسي، ولا يشفع للخلق إلا إمام الأنبياء نبينا ﷺ فهو وحده الذي لا يقول: نفسي، بل يقول: (أنا لها أنا لها) فيسجد تحت العرش ويدعو ربه بمحامد يلهمها إذ ذاك، فيبقى زمناً وهو يضرع لربه ويشفع لربه إلى أن يقول له: (ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع) وأما بقية الأنبياء والرسل فالكل لا يهتم إلا بنفسه، فكيف بغيرهم؟!


الصفحة التالية
Icon