تفسير قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم)
قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [الدخان: ٤ - ٥].
هذه الليلة من خصائصها أنه يفرق فيها -أي: يوزع- كل أمر حكيم.
ففي هذه الليلة تكتب الأرزاق وتختم الأعمار وتختم الأعمال وتكلف الملائكة جند الله الذين ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦]، فهذا للأرزاق، وهذا للموت، وهذا للمرض، وهذا للعمارة، وهذا للخراب، وهذا للصلاح، وهذا للفساد، والله أعلم حيث يجعل رسالاته.
ولذلك كان قيام الليل في رمضان من أعظم العبادات، حيث يقوم الإنسان يتهجد ويدعو الله ساجداً وبعد كل ركعتين وعقب التهجد بأن الله تعالى يكرمنا بالعمل الصالح، ويكرمنا بالحلال الطيب، ويصلحنا وأولادنا، ويبعدنا عن الفتن الظاهرة والباطنة، وليخطر ببال هذا الداعي قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠].
قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: ٤]، والأمر الحكيم أمر إلهي، وأمر الله كله حكيم، وهو الموضوع مواضعه.
قال تعالى: ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الدخان: ٥]، فالقرآن نزل بأمر من الله جل جلاله منه مباشرة.
﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [الدخان: ٥]، فأرسل الله تعالى عبده ونبيه وخاتم رسله بهذا القرآن الكريم بأمر من عنده، وجعله رسولاً نبياً، وجعله المبلغ عنه في جميع شعوب الأرض منذ عصره عليه السلام إلى آخر يوم من الدنيا، فكلهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن استجاب فهو من أمة الإجابة، ومن عصى فهو من أمة الدعوة، كالأولاد إن بروا فهم أولاد وإن عقوا فهم أولاد، وعقوقهم لا يخرجهم من البنوة ولا يطرحهم في الشوارع.
كما قص الله علينا قصة نوح عندما قال له تعالى عن ابنه: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] فلم ينف بنوته، ولم ينف نسبه، ولكنه قال عنه: عمل غير عمل الصالحين، وكان في نفسه غير صالح، فهو كله عمل غير صالح.
وقد ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التشريع بأن من أتى زوجته يسمي الله على ذلك، فإن رزقه الله ولداً كان ولداً صالحاً، فإن لم يذكر الله شاركه الشيطان فيه، أي: كان من أعمال الشيطان، كما قال تعالى عن ولد نوح: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦]، وفي قراءة: (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ).
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: ٣ - ٤] أي: تفرق وتوزع الأعمار والأرزاق والأعمال ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ [الدخان: ٥] كان نزول هذا القرآن بأمر من الله لعبده ورسوله جبريل من الملائكة إلى عبده ورسوله من البشر نبينا عليه الصلاة والسلام.


الصفحة التالية
Icon