قصة بدء الوحي لسيدنا موسى عليه السلام
قال تعالى: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: ١٠]: وبيان ذلك: أن موسى بعد أن قتل الذي قتل من قوم فرعون نصرة لبعض قومه من بني إسرائيل، جاء بعض قومه في مصر فحذره قائلاً: ﴿إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص: ٢٠] أي: كانوا يريدون قتله والثأر منه، فخرج موسى من مصر خائفاً يترقب الجواسيس الذين يتبعونه، ولما وصل ماء مدين وجد قوماً يستقون من بئر في ازدحام كبير، ووجد بعيداً من السقي امرأتين تدفعان غنمهما، ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ [القصص: ٢٣].
أي: نحن ضعيفات لا نحتمل الزحام، ولا يليق بنا ونحن نساء أن نزاحم الرجال، بل ننتظر إلى أن يذهب هؤلاء الأقوام الأقوياء فنسقي.
وكان موسى قوياً شديد الشكيمة شاباً كامل الرجولة، فسقى لهما، وأوى إلى الظل، فجاءتا أباهما قبل وقتهما المعروف بزمن، فتساءل: ماذا حدث؟ فأخبرت بقصة الرجل الذي سقى لهما، وأنه قوي أمين؛ لأنه جاء إلى الصخرة التي يحملها عشرة من الناس وحملها بمفرده.
وأما أمانته فإنه لما كان ذاهباً إلى شعيب كانت البنت أمامه تدله على الطريق، وكانت الريح تتلاعب بثوبها، وتحدد بدنها، فقال: تأخري، ودليني على الطريق برمي حصاة، فتلك أمانته.
فلما أوى إلى الظل قال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤].
وكان جائعاً متعباً خائفاً، فلما وصل إلى شعيب قال له: بلغت الأمان فلا خوف عليك، فإنه لا حكم لفرعون في هذه الأرض، ودعا له بالطعام وبالشراب، ثم عرض عليه أن ينكحه إحدى ابنتيه على أن يأجره ثماني حجج، أي: ثمان سنوات، ثم طمع فيه وقال: وإن أتممتها عشراً فمن عندك.
وسئل صلى الله عليه وسلم: (ما الذي فعل موسى مع شعيب؟ قال: فعل معه الأكرم والأوفى) أي: خدمه عشر سنين.
ولما تمت العشر أخذ زوجته، وكان لا يخرج بها إلا في الليل؛ لشدة غيرته كي لا يراها أحد، وكانت حاملاً في شهرها التاسع، وكان البرد شديداً، وكان هذا عند طور سيناء، وتلك البلاد شديدة البرد كثيرة الثلج، فأخذها وقد ابتعد عن الطريق حتى لا تقع عليها عين، وإذا به يشعر أنه قد ضل الطريق، وهو يريد أن يعود لمصر ليزور أمه وأخته اللتين ابتعد عنهما عشر سنوات كاملة، وبينما هو في هذه الحيرة إذا به يبصر من بعيد ناراً في الجانب الأيمن من جبل الطور.