تفسير قوله تعالى: (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين)
قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣].
آتى الله تعالى بني إسرائيل من الآيات والمعجزات ومن الفضل والمن ما تكرم به عليهم، ومن ذلك أنه أنجاهم من عذاب الفراعنة المهين، وأنقذهم وأخرجهم من أرض مصر مع موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وشق لهم البحر، وأذل عدوهم وأغرقه، وأعطاهم من الخيرات من المنّ والسلوى وأنواع المأكولات.
وبعد ذلك اتخذوا العجل إلهاً وهم حديثو عهد بالنجاة من فرعون، فقال السامري لليهود وقد ذهب موسى لميقات ربه: ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨]، فزعم لهؤلاء بكل وقاحة اليهود وبكل خبث اليهود أن موسى قد ضل إلهه، وإنما إلهه هذا العجل.
فهم في وقت نجاتهم، ووقت حصول الآيات البينات في إكرامهم نتيجة إيمان أكثرهم كفروا النعمة، وأشركوا بالله وقت نعمته ووقت رحمته، وهكذا شأن الكذبة، وشأن الفجرة، وشأن المشركين المصرين على الشرك، تراهم وقت إكرام الله لهم بالإنقاذ يشركون ويكفرون.
فقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ﴾ [الدخان: ٣٣] أي: ما فيه اختبار ظاهر بين، كما قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥] فيكون الابتلاء بالخير، كما يكون بالشر، فهناك من يصبر على الشر، حين يختبره الله، ولكن بعد ذلك يتجاوز العقبة وينقذ من بلائه، وهناك من يبتلى ويختبر بالخير فلا يصبر، فتغره الدنيا وجاهها ومالها ونساؤها، فينقلب على وجهه ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ﴾ [الحج: ١١]، وهذا ما حصل لبني إسرائيل ومن هم على شاكلة بني إسرائيل كفراً وجحوداً وشركاً مستمراً بالله.
فقد كانت الآيات لهم بلاءً، وكانت اختباراً بيناً واضحاً، ولكنهم لم يصبروا على هذا البلاء والاختبار والامتحان، وقديماً قال الناس: عند الامتحان يعز المرء أو يهان، سواء أكانت المحنة سماوية أم أرضية، فكما أن الطالب عند الامتحان قد ينجح ويعلو ويبيض وجهه، أو يسود وجهه ويرسب، فكذلك المؤمن إذا ما اختبر بالخير أو بالشر وابتلي بذلك وصبر، فذاك نجاحه، فإن لم يصبر فتلك محنته وعذابه.


الصفحة التالية
Icon