تفسير قوله تعالى: (فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين)
ثم قالوا: ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان: ٣٦].
طلبوا من محمد ﷺ وطلبوا من أتباعه المؤمنين امتحاناً فقالوا: ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان: ٣٦].
قال أبو جهل وغيره: ائتونا بـ قصي، وائتونا بـ عبد مناف لنسألهم: ما الذي وجدوا بعد الموت؟ أكلامكم حق أم باطل؟ ولو فعل ذلك ﷺ لقالوا: هذا سحر وشعوذة، شأن الكافر الذي يكفر بلا دليل، ويصر على الكفر بلا سلطان ولا آية بينة.
فقولهم: ﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان: ٣٦] أي: إن كنتم صادقين في أن هناك حياة بعد الموت، وآخرة بعد الدنيا، فنريد أن نعلم ذلك من الآن، والأدلة عندهم لو كانوا يعلمون، فأين كانوا قبل أن يأتوا، ألم يكونوا ميتين؟ ألم يكونوا معدومين؟! ألم يكونوا غير موجودين؟! فكيف أتوا؟! ومن الذي أتى بهم؟! ومن الذي أخرجهم إلى الحياة؟! أليس الذي يخرج الموجود من العدم قادراً عن أن يأتي بمن وجد مرة ثانية فيعيد حياته؟! فالدليل قائم، ولكن كفرهم وإصرارهم على هذا الكفر غطى عقولهم، وأبعد فهمهم إدراكهم فابتعدوا عن الحق البين الواضح.
وقولهم: ﴿إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الدخان: ٣٦] جاء في غير محله؛ إذ لم يقل القرآن، ولم يقل نبينا عليه الصلاة والسلام: سيعيدكم الله إلى دار الدنيا مرة ثانية، بل أخبرهم القرآن بأنهم سيعودون بعد انقضاء الدنيا إلى حياة ثانية في القيامة، فهذا إفك اخترعوه.
على أن هناك أقواماً من قبل طلبوا هذا، فابتلاهم الله واختبرهم، كقصة الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وقال له: ﴿كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ [البقرة: ٢٥٩].
وأهل الكهف كانوا سبعة أو ثمانية، فأماتهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ثم بعثهم وهم لا يظنون إلا أنهم كانوا نائمين، وتحقق ذلك أهل عصرهم، وكانت قصتهم مكتوبة على رقيم في باب الكهف فكان ذلك من المعجزات ومن البينات لأهل عصر هؤلاء، وليست القاعدة، أن الله لا يبعث من يموت إلا يوم القيامة.