تفسير قوله تعالى: (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم)
ثم يقول الله لمالك كبير خزنة النار: ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدخان: ٤٧ - ٥٠].
قوله: (فَاعْتِلُوهُ) أي: اسحبوه وجروه على الوجه وعلى البطن، وادفعوه دفعاً دفع غير مشفق وغير رحيم به نتيجة كفره.
وقوله تعالى: ﴿إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الدخان: ٤٧] أي: إلى وسط النار حتى يأخذ يعذب الجسد من جميع أركانه، فيعذّب طولاً وعرضاً.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان: ٤٨].
أي: ثم خذوا هذا الماء الحار الذي يهتك الأمعاء وصبوه فوق رأسه، فصبوا فوق رأسه من هذا العذاب ومن هذا الحميم الذي هو عذاب في حق نفسه وفي حق ذاته، فتأتي الملائكة من خزنة جهنم فيأخذون هذا الماء الحار الذي بلغ من الحرارة منتهاها ويصبونه على رأسه، فيذوب عظم رأسه ويذوب مخ رأسه، نعوذ برحمة الله من عذابه وبرضاه من غضبه.
وقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩].
أي: تقول له الملائكة: ذق هذا العذاب بأشكاله وأنواعه، فأنت الذي كنت تقول في دار الدنيا بأنك العزيز في قومك العزيز على خلق ربك، والكريم في نفسك وفي عقلك وفي فهمك، وأنك كريم بما أعطيت من أرزاق وأولاد؛ فبعد أن ذُقت هذا العذاب هل لا تزال عزيزاً كما كنت تدعي في دار الدنيا؟! وهل لا تزال كريماً كما كنت تظن وأنت في دار الدنيا؟! هيهات هيهات أن يعّز مجرم مشرك، وإن ظن ذلك يوماً فهي أوهام لا حقيقة لها ولا واقع.
قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدخان: ٥٠].
أي: هذا العذاب وهذا البعث بعد الموت هو ما كنتم تمترون وتشكون في حقيقته وأنتم في دار الدنيا، فهل ما كنتم تشكون فيه أصبحتم تعيشون في واقعه أم هي أحلام ومنامات؟! وهكذا جاءتكم رسل الله فكذّبتموها، وجاءتكم كتب الله فأنكرتموها، ودعاكم المؤمنون إلى طاعة ربكم وطاعة نبيكم فعصيتموهم وخالفتموهم وخرجتم عن أمرهم، وكنتم تظنون أنكم أعزاء وكرماء! فهل ذلك الوهم الذي عشتم فيه لا يزال قائماً؟!
و ﷺ أن حالهم يغني عن سؤالهم، فهم يرون أنهم كانوا مبطلين مكذبين كافرين.