تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في مقام أمين)
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الدخان: ٥١ - ٥٣].
سبق ذكر حال الكفار، والله جل جلاله يجمع في كتابه بين ذكر الكافرين وما يعاملون به، وذكر المؤمنين وما يعاملون به؛ لكي يعيش الإنسان بين الرجاء والخوف، يرجو رحمة الله ويخاف عذابه، فعندما يُذكر العذاب وهوله ترتعد فرائصه ويتوب إلى الله ويعود عما هو عليه من المعاصي، وإذا ذكرت رحمة الله يجدد إيماناً إن لم يكن، ويزداد إن كان، فيرجو الثبات على حاله، وأن يبقى على خير وعلى صراط مستقيم، فهؤلاء المتقون في مقام أمين، يقال: مَقام ومُقام، فالمقَام: المنزل والدار، والمُقام: الرُتبة والمنزلة، والمعنى متقارب.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] أي: في منزل وفي دار وفي قصر آمنون فيه من العذاب ومن اللعنة ومن الخروج ومن الموت، منازلهم في الجنة، ولا يصل إليها شيطان، فمنازلهم بين أهليهم من الحور العين والولدان والخدم والحشم وزوجات الدنيا، فهم في أمان، كيف والله قد أمّنهم وكرّمهم والله الذي أنزلهم هذه المنزلة الكريمة.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [الدخان: ٥١] أي: آمن من كل سوء.
﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الدخان: ٥٢] الجنات: جمع جنة، والعيون: جمع عين، فهم مقيمون في دور لها جنات ولها عيون متدفقة متفجرة وجارية بالسلسبيل العذب من الماء، مما يزيد القصور جمالاً ويزيده بهاء ويزيدها.
قال تعالى: ﴿يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الدخان: ٥٣].
أي: يلبسون في الجنان من السندس والإستبرق.
والسندس: ألبسة الحرير الخفيفة الشفافة.
والإستبرق: الديباج الغليظ.
فهم يلبسون من الحرير خفيفه وثقيله شأن لبس أهل الجنة، وهم في الجنة متقابلون، كما قال تعالى: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: ٤٧] ليست بينهم عداوة ولا أحقاد ولا إحن، ولا يجلسون كل منهم خلف الآخر كشأن المتخاصمين والمتنازعين والأعداء، ولكنهم إذا جلسوا على الأرائك يجلسون ووجه هذا لوجه هذا، وهم يتحدثون عن نعم الله عليهم في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا وفقهم للإيمان به وبرسوله وبكتابه وأماتهم على ذلك، وفي الآخرة حيث أنجز وعده لهم وأعطاهم المقام الأمين في جنات وعيون وإستبرق وديباج وأنواع من ألبسة الحرير لم ير مثلها.


الصفحة التالية
Icon