معنى قوله تعالى: (وما يبث من دابة)
قوله تعالى: ﴿وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الجاثية: ٤].
أي: وما نشر في الأرض وبث ووزع مما يدب على وجه الأرض على رجلين أو على أربع أو يزحف زحفاً على بطنه، أو يطير بجناحين، فكل دابة من خلقها؟! ومن صنعها؟! ومن صورها؟ فكل هذه علامات بينات ودلائل واضحات لا يردها إلا أعمى البصيرة الجاهل جهلاً مركباً، فهو جاهل ويجهل أنه جاهل.
ولذلك يلفت الله جل جلاله أنظارنا إلى شيء نراه في إصباحنا وفي ممسانا وفي نهارنا وفي ليلنا وفي اجتماعنا وفي وحدتنا، ولا يتجاهله إلا أعمى البصيرة، فيقول تعالى: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الجاثية: ٤] أي: ما يبث في الأرض ويزرع وينشر ويخلق من دابة، و ((مِنْ)) للاستغراق، أي: من كل ما يدب على وجه الأرض من إنسان ناطق، أو حيوان غير ناطق، وإن كان الخرس في الحيوانات نسبياً، فهي تتكلم بما يفهم به بعضها بعضاً.
وقد يُفهم الله كلامهما لمن أراد، كما كان أفهم سليمان منطق الطير، وكما قد يحدث ذلك بمعجزة، كما حدث لنبينا عليه الصلاة والسلام، فقد أفهمه الله تعالى منطق الجمل ومنطق الضب ومنطق البقرة، بل ومنطق الجماد في الجذع الذي تركه حين وصنع له غيره، فكان لذلك الجذع تألم وتوجع وصوت حيث تركه رسول الله ﷺ من بركة رجليه ومن بركة كلامه، ففهم منطق الجماد، فكيف بالحي الذي يُرزق من دابة أو طير؟! وكيف بالإنسان؟! وقد كلمته الجن، وسمعت تلاوته، وآمنت به وبالكتاب الذي أنزل عليه، وبالوحي الذي آتاه الله إياه.


الصفحة التالية
Icon