تفسير قوله تعالى: (ويل لكل أفاك أثيم)
قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الجاثية: ٧ - ٨].
(أفّاك): كذاب كثير الكذب.
و (أَثِيمٍ): كثير الإثم في فعله، فالويل لمن كانت هذه صفته، فهو كاذب في الحديث آثم في العمل، وهي صفة كل كاذب كافر مشرك بالله، لا يؤمن به ولا بآياته.
والويل: نهر في جهنم يكون من صديد أهلها ومما يخرج منهم مما يستقذر في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ [الجاثية: ٨].
هذا الآثم الأفّاك يسمع كلام الله، ويسمع القرآن، ويسمع التوحيد، ويسمع الدعوة المحمدية، ويسمع ما أنزل ربنا وما أتى به نبينا من كتاب وسنة، وبعد سماعه لكل ذلك يبقى مصراً على الكذب، مصراً على الكفر، وإصراره عناد، وإصراره كبرياء وتألٍّ على الله، وبعد عن صفات المؤمنين المسلمين، فهو يسمع القرآن الكريم، ويسمع معجزات الأنبياء، ويسمع أحكام القرآن من حلال وحرام، وصفة الجنة وصفة النار، وأهل جنة وأهل نار، ثم بعد ذلك يصر مستكبراً على إفكه وعلى كذبه وعلى نفاقه.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا﴾ [الجاثية: ٨] فيصر على كبره وكأنه لم يسمع آية من كتاب الله ولا حديثاً عن رسول الله، ولا حكمة توصله إلى الحق وتبعده عن الباطل، فإذا بكل ما يُسمع من كتاب الله وسنة رسوله لا يزيد هذا الأفّاك الأثيم إلا إصراراً على الكبرياء وعلى الكفر وعلى الإثم، وعلى البعد عن الله ورسل الله.
قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الجاثية: ٨].
أي: بشِّر هذا الآثم، وبشِّر هذا الأفّاك وهذا المتعالي على الله وكتابه، وهذا الذي كأن به وقراً فلا يكاد يسمع، وإذا سمع لا يكاد يعي ولا يفهم، بشِّره بعذاب أليم.
والبشرى هنا من باب الهزء به؛ إذ لا تكون البشرى إلا بما يستحسن، وما تطيب له نفس الإنسان، فإذا قيل بشر بالويل والبلاء والعذاب كان هذا هزءاً به، فهي بشرى للكافرين وبشرى للآثمين وبشرى للأفّاكين على الله ورسل الله.