تفسير قوله تعالى: (وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزواً)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [الجاثية: ٩].
أي: سمع من آيات الله ووعى وحفظ يحفظ ذلك بلا وعي وبلا علم وبلا إيمان، ويتخذ ما يحفظ هزءاً وسخرية، والكفر يعيد نفسه كما يعيد التاريخ نفسه أبداً، فقد كان في عصر النبي ﷺ يسخر أبو جهل ويسخر الوليد بن المغيرة وغيرهما من طغاة الكفار، وليس هذا خاصاً بالعرب ولا بقريش، بل هو عام في كل كافر، فإذا سمع من هذه الآيات ومن هذه الأحكام كافر شيئاً اتخذها موضع هزء وموضع لعب وموضع سخرية.
وملة الكفر واحدة، سواء كانت نصرانية أم كانت يهودية، أم كانت وثنية، فكلها من وحي الشيطان ومن أعماله ومن وسوسته ومما يوحي به من الكفر والمخالفة والعصيان والتأني على الله.
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا﴾ [الجاثية: ٩] فإذا سمع بعض هذه الآيات وحفظ بعضها اتخذها هزءاً وسخرية عوضاً عن أن يتخذ الموعظة للهداية وللإيمان، فإذا به لا يهتدي الناس به، بل يضلون به؛ لأن كفره غلب نوره، فلم يبق له نور، إن هي إلا ظلمات بعضها فوق بعض.
قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [الجاثية: ٩].
كان الكلام عن فرد، ولكن قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الجاثية: ٧] هو موضع الجمع، يعني الأفّاكين جميعاً والأثيمين جميعاً، وهم الذين يفعلون هذا كل على حدة؛ فهؤلاء لهم عذاب مهين يذلهم ويهينهم ويحقّرهم.


الصفحة التالية
Icon