المعنى الإجمالي للآية
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الجاثية: ١٦].
إن الله جل جلاله كثيراً ما يذكر في الكتاب بني إسرائيل وما أعطاهم في أيامهم وأيام أنبيائهم وحكمهم، وذاك عظة للمسلمين الذين جعلهم الله خير أمة أخرجت للناس، فإذا فعلوا فعل اليهود وتركوا ربهم وتوحيده، ونبيهم وسنته، والقرآن وتحكيمه فسيفعل الله بهم كما فعل ببني إسرائيل.
وكما عاقب اليهود رغم أنهم كانوا يوماً أفضل الأمم، وأعطاهم الله من الأرزاق والحكم والكتاب، وأعطاهم ما لم يعطه لأحد في عصرهم، ولما بدّلوا وغيّروا وحرّفوا وتلاعبوا بالتوراة والإنجيل ورجعوا إلى الكفر بعد الإيمان، وعبد النصارى عيسى ومريم، وعبد اليهود عزيراً وعبدوا العجل، وقالوا جميعاً: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٨] كان شركهم طامّاً عاماً بلية شاملة، فلعنهم الله وأخزاهم وطردهم عن رحمته وعن بابه، وأصبحوا أذل الأمم وأحقر الأمم.
قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٨].
وقال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا﴾ [آل عمران: ١١٢].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧]، فلعنوا على ألسنة أنبيائهم كما لعنوا على لسان نبينا، ولم يفدهم أنهم كانوا يوماً أفضل الناس، وعندهم الأرزاق الطيبة وعليهم أنزلت الكتب السماوية، فعندما بدّلوا وغيروا بدّل الله عليهم نعمته وبدّل إفضاله.
وكذلك المؤمنون من هذه الأمة إذا بدّلوا وغيروا -مع أنهم أفضل الأمم وأكرم الأمم- سيعاقبهم الله ويلعنهم الله كما لعن اليهود قبلهم، ونحن نرى أنفسنا واقعين في هذا التهديد والوعيد، فقد سلّط الله علينا هؤلاء اليهود أنفسهم؛ لأننا خرجنا عن هدي كتاب الله، وعن سنة رسول الله ورسالته، فعاقب الله المؤمنين بما هددهم به في عشرات الآيات، بل عشرات السور، فنسأل الله أن يعيدنا إلى رحمته، وإلى اتباع الصراط المستقيم السوي بفضل الله وكرمه.