المعنى الإجمالي للآية
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: ٢٤].
يخبر ربنا عن هؤلاء الذين كفرت بواطنهم قبل أن تكفر ظواهرهم، وكفرت ألسنتهم قبل أن تكفر حواسهم، حيث كفروا فلم يروا، وكفروا فلم يفقهوا، وكفروا فلم يسمعوا، واتخذوا الهوى إلهاً، ثم لم يكتفوا بالعمل فزادوا في القول طوام وبلاء فقالوا: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [الجاثية: ٢٤].
قالوا: لا آخرة ولا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عقاب.
﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] فليست الحياة في أنظارهم إلا الحياة الدنيا التي عاشوا فيها، فهذه الدنيا التي عاشوها فيها يحيون وفيها يموتون، ولا يكون الهلاك إلا بالأعمار وبالسنين، وبطول المقام في الدهر والعصر، فليس هناك آخرة ولا رسل ولا كتب.
وهذا الكفر هو كفر الشيوعيين اليوم، وهو دينهم الذي نشروه بين الناس كتباً ونظريات، وجعلوه كتباً هي برامج في التعليم وبرامج في التربية تزيدهم كفراً على كفر.
وهذا هو الكفر الذي يسمون أنفسهم به التقدميين، ويلمزون غيرهم بأنه المتأخر الرجعي الذي لا يأتي إلا بما طواه الدهر وأكل عليه وشرب، وها نحن نرى أن كفرهم هذا كان قديماً، كان منذ آلاف من السنين، فهم الذين رجعوا إلى الكفر الأول، فهم رجعيون؛ لقولهم: نحيا في هذا العصر ونموت في هذا العصر، ولا يهلكنا إلا طول الدهر وكثرة أيامه في الدنيا، أما أن يكون هناك حياة بعد الموت وآخرة وبعث ونشور فلا! فهؤلاء رجعوا إلى المقالة القديمة الكافرة، فصاروا دهريين، كما قال الله عنهم: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] فجعلوا من الدهر إلهاً، وجعلوا هواهم إلهاً وعبدوه من دون الله، ونسبوا إلى الدهر الحياة والموت.


الصفحة التالية
Icon