تفسير قوله تعالى: (إن الساعة آتية أكاد أخفيها)
قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ [طه: ١٥].
لا نزال مع ربنا جل جلاله وهو يكلم موسى عند جانب الطور الأيمن، ووصلنا إلى قوله: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] فنقول: مما أتى به الأنبياء جميعاً ولم يختلفوا فيه، بل كان دينهم في ذلك واحداً: عبوديتهم لله وحده ووحدانيته وألوهيته والصلاة، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ولاشك.
وقوله: ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥].
أكاد: من أفعال المقاربة، أي: يكاد يخفيها جل جلاله حتى لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهكذا حدث؛ (ثقلت في السموات والأرض لا يعلمها إلا هو) وكان هذا ما أنزل إلى موسى وما أنزل إلى من قبله، وهو كذلك ما حدث مع نبينا عليه الصلاة والسلام عندما جاءه جبريل في صورة رجل فسأله: (متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: لست أعلمها كما أنك لا تعلمها، ولا جديد عندي عليها كما لا جديد لك عنها إلا معرفة أماراتها.
يقول هنا جل جلاله في مكالمته لموسى: ﴿إَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ﴾ [طه: ١٥] أي: مقبلة لاشك فيها ولا ريب.
﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥].
أي: تكاد أن تخفى على القريب والبعيد، ولا يعرفها أحد قبل ولا بعد.
وقرأ سعيد بن جبير: (أكاد أَخْفيها) أي: أظهرها، أي: آن أوانها وقرب زمانها بالنسبة لما مضى قبل، وقد جاء نبينا عليه الصلاة والسلام وكان من علامات الساعة فقال: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، فكان أقرب إلى الساعة وقيامها من السبابة إلى الوسطى، ولكن ما بقي من السنين لا يعلمه إلا الله، وسيبقى ذلك غيباً على كل الخلق.
﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾ [طه: ١٥].
فالله جل جلاله قضى بقيام الساعة وبالبعث بعد الموت؛ لتجزى كل نفس بما صنعت، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فيوم القيامة هو يوم الحكومة الكبرى والعرض على الله لأجل الحساب على كل ما صنعت يد الإنسان من خير أو شر، وذلك هو يوم العدل الأكبر، يوم معرفة الحق الأكبر، يوم مجازاة كل إنسان على عمله، إن خيراً فله الجنة، وإن شراً فله النار.