تفسير قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات)
قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف: ٧]، أي: إذا أتت آيات الله، وإذا تليت وقرئت وقرعت آذان هؤلاء المشركين بما قال ربنا في كتابه، وبما بين نبينا ﷺ في سنته، مما تأتي به الآيات البينات الواضحات المشروحات المفسرة الذي لا يغيب بيانها عن عقل عاقل، ولا إدراك مدرك، ولا طلب طالب، فالمؤمن يقول: سمعنا وأطعنا، والكافر يقول: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف: ٧]، فلما جاء هذا الحق البين، وهذه الآيات البينات بالدلائل القاطعات والبراهين الواضحات عجز الكافرون عن الاستدلال نقلاً أو عقلاً، فأخذوا بالبهتان والإفك.
فقوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [الأحقاف: ٧] الحق: القرآن الكريم، والحق: الرسول صلى الله عليه وسلم، والحق: الرسالة المحمدية كما الرسالات السابقة، فالكافرون قالوا عن القرآن: هذا سحر، وقالوا عن المعجزات النبوية: هذا سحر، وقالوا عن السيرة النبوية العطرة وما فيها من دلائل: هذا سحر، وكذبوا بالرسول ﷺ مع أنهم عاشروه وساكنوه، وهو ولد من أولادهم، وعاش بينهم مدة أربعين عاماً، عرفوا أباه وأمه وعمه وجده، وعلموا صدقه وأمانته، حتى ما كان أحد يذكره إلا يقول: الصادق الأمين.
فكيف بعد ذلك يصبح ساحراً، ويزعمون أن كلام الله سحر فهؤلاء القدامى كالمحدثين يحملون جهلاً مركباً يعصم الله عنه الحيوان، فالحيوان أعقل منهم، وأفهم للأمر منهم، فالحمار الذي نضرب به المثل في البلادة ترونه يلعب في الملاعب الحيوانية، فتجدونه يمتثل للحركة التي يأمره بها مربيه، فالحمر تعقل عنه وتسمع وتعي، ولكن هؤلاء البشر لا يكادون يعقلون ولا يدركون، فقدماؤهم كمحدثيهم، النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وحق هذا المثل فيهم.