تفسير قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه)
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١]، وهذه هي عادة الكفار عند بعدهم عن الحق، حتى إذا تبين لهم أن من هم أقل منهم منزلة قد آمنوا، فإنك تجدهم يعزفون عن الحق ويتمسكون بالباطل.
فقوله: ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١] أي: قال الذين كفروا لمن آمن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان هذا الإنسان حقاً ما سبقنا إليه عبيدنا ودراويشنا وعمالنا وولداننا، ولو كان حقاً لسبقناهم إلى هذا الحق، ولأمسكنا به إمساكنا بالعزيز من الأمور.
وهكذا قالوا عندما رأوا بعض المستضعفين كـ صهيب وبلال وأبي ذر وسلمان الفارسي سبقوهم إلى الإسلام، وهم ينظرون إليهم على أنهم عبيد لهم، أو موالٍ قد أعتقوا، أو أقوام ليسوا بالذروة من قبائل قريش أو من قبائل بني هاشم، فقالوا عند ذلك: ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١] أي: لو كان القرآن خيراً، ولو كان الإسلام خيراً، لما سبقنا هؤلاء العبيد الذين ليسوا في الذروة من الشرف والأنساب والأحساب من قريش والعرب.
ويقول الله عنهم: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١]، ولما كانوا لم يهتدوا به، لم يؤمنوا به ولم يخرجوا من الظلمات إلى النور، بل زادهم لعنةً وظلاماً، فهم عند ذلك سيقولون: ﴿هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١] أي: هذا كذب وأساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه.
وكما يقولون في المثل: من جهل شيئاً عاداه، وقد سئل مفكر: هل جاء في كتاب الله ما يطابق المثل: من جهل شيئاً عاداه؟ فقال: جاء في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١]، عندما جهلوه وعادوه وتنكروا له وأخذوا يقولون عنه الأقاويل والأباطيل، ويقولون: ﴿هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١]، أي: كذب قديم وأساطير طلب كتابتها وهي تملى عليه ويقصها بدوره.
هكذا يقول الكفرة، وهكذا يقول الضالون بلا منطق ولا فهم ولا إدراك.