تفسير قوله تعالى: (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف)
قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأحقاف: ٢١] واذكر لقومك قصة أخي عاد، وأخو عاد هو نبيهم هود بن عبد الله بن رباح العادل، اذكر قصته مع قومه وما لقيه من كفر ومن تكذيب، ويقال للإنسان من العشيرة: أخ لها، ويقال: يا أخا قريش أي: يا قرشي يا أخا هاشم: أي يا هاشمي يا أخا أمية أي: يا أموي يا أخا المغرب أي: يا مغربي.
قال تعالى: ﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ﴾ [الأحقاف: ٢١] أي: إذ خوفهم بالله وأنذرهم عذابه وفتنته في أرض الأحقاف، والأحقاف: جمع حقف، وهي أرض في حضرموت يقال لها: الشحر ويقال لها: الرمال، فهناك أرسل هود إلى قوم عاد وهم من أهل اليمن الحضارمة، دعاهم إلى الله وأنذرهم غضبه ونقمته وخوفهم، فلم يطيعوا ولم يوحدوا الله سبحانه، على أن هوداً لم يكن بدعاً من الرسل، فقد مضت نذر من قبله من بين يديه ومن خلفه.
والنذر: جمع نذير، والرسول نذير وبشير.
فقد خلت قبله رسل وجاءت بعده رسل أنذروا أقوامهم وعشائرهم وأمروهم عن أمر الله بطاعة الله ووحدانيته وترك الأصنام والأوثان، وكلهم قالوا ما قاله هود: أن اعبدوا الله وحده لا شريك له.
قال تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأحقاف: ٢١] خوّفهم يوم القيامة وأنذرهم يوم القيامة وقال لقومه شأنه شأن النبي الناصح الأمين: إني يا قوم! أخاف عليكم عذاب الله في يوم عظيم، أي: يوم القيامة ويوم البعث والنشور.
وكان عاد أقواماً طوالاً عراضاً ذوي قوة وأيد وحضارة، وذوي قصور شاهقات يبنونها بالسهل وينحتونها من الجبال، وكانوا يعمّرون المئات من السنين، وقد جعل الله لهم سمعاً وأبصاراً واعية عاقلة، ولكنهم مع كل ذلك كانوا جاهلين ولم تنفعهم عقولهم في الإيمان والتوحيد، شأنهم شأن الناس في هذا العصر الذي يقال عنه: عصر الحضارة، فقد سبقته حضارات وسبقته اختراعات وأشياء ليست موجودة في بال أحد من معاصرينا لا يهوداً ولا نصارى ولا معطّلين ولا ملاحدة، ومع ذلك كانوا عمي الأبصار والبصائر، صم الآذان، غلف القلوب، إذ سخروا من الأنبياء واستهتروا بهم؛ وهكذا عندما جاءهم ابن عمهم وأخوهم هود ودعاهم إلى الله وإلى الإيمان به وإلى ترك الأوثان والأصنام.
قال تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٢] أي: يا هود! أجئت إلينا تنذرنا وتخوّفنا لتأفكنا وتصرفنا وتبعدنا عن آلهتنا؟ أتريد منا أن ندع آلهتنا ونعبد إلهك؟ ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٢] فاستعجلوا بالعذاب وتحدوا نبيهم عليه الصلاة والسلام، فقالوا ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٢] ويعنون: الوعيد.
قوله: ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٢] أي: أرادوا أن يعلموا صدقه وصدق رسالته في أنفسهم وعقولهم، وإذا بالله جل جلاله يعجّل ما استعجلوه، فقال لهم نبيهم: ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٣] فأجابهم وقال: إنما العلم عند الله ولست أنا إلا رسولاً وعبداً للذي أرسلني جل جلاله، فالعلم في تعجيل العذاب أو تأخيره أو ترككم زمناً بيد الله وفي علم الله، إن أنا إلا عبد مثلكم ولكنني رسول من الله إليكم أبلغكم ما أرسلت به، والذي أرسلت به هو ما بلغتكم إياه من تخويفي لكم عذابه ونقمته واليوم الآخر، أما وقد استعجلتم العذاب وأصررتم على كفركم فالأمر لله يفعل ما يشاء.
ثم قال لهم: ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٣].
قال لهم ثلاث كلمات بليغات مختصرات فيها معان كثيرات: ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحقاف: ٢٣] إن شاء عجّل عذابكم وإن شاء أخره.
﴿وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ [الأحقاف: ٢٣] ليس من شأني إلا ذلك ولست معجّلاً لعذاب ولا مؤخراً له.
﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٣] اتهمتموني بالجهل وبعدم الفهم وبعدم الوعي! وكان بإمكانكم أن تسألوني مستفسرين عن صدقي أن آتيكم ببينة أو آتيكم بمعجزة أو آتيكم بما يصدِّق قولي، ولكنكم رغم كونكم تعلمون صدقي وأمانتي وقد عشت دهراً بينكم وما رأيتم سوى ذلك؛ بادرتم بالتكذيب والإصرار على عبادة الآلهة المزيفة الباطلة.