تفسير قوله تعالى: (قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري)
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٥ - ٢٦].
أي: يسر لي الأمور الصعبة، بحيث لا ينتقم مني فرعون، لا بقتلي للفرعوني الذي قتلته، ولا بما كنت صنعت به وأنا طفل عن غير قصد، ولا بالفرار الذي فررت منه عشر سنوات كاملة، وبأن تغفر لي أمي وقد غبت عنها وعن أختي عشر سنين، وأنا لا أعلم من مرض أو مات منهما.
قوله: ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٦].
(أمر) مفرد ويراد به الجنس، أي: اجعل جميع أموري ميسرة منذ أن أبتدئ تنفيذ الرسالة وتبليغها لمن أمرتني، فيسر لي أموري ولا تصعبها علي يا رب، واشرح لي صدري.
قال تعالى: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٧ - ٢٨].
أي: احلل هذه العقدة التي في اللسان حتى أبلغ عنك ما يفهمني به فرعون وقومه، وما يفهمني به بنو إسرائيل، فأبلغ ما أمرت به أحسن بلاغ وأحسن بيان، وأحسن شرح وتفصيل.
والمعنى: أفصح لساني وأزل اللكنة التي فيه مما كنت قد أصبت به عند وضع الجمرة في لساني.
﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٨].
أي: يدركوا ما أريد من المعاني، وموسى كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يطلب أن تزول العقدة كلها، ولم يطلب الفصاحة كلها، وإنما طلب ما يستطيع أن يؤدي به عن ربه، وما عدا ذلك ففضل.
وقيل عن ابن وهب: إنه كان عالماً بالحديث والتفسير وكان يلحن، فعيره بذلك أحد زملائه، فقال: أتفهمني؟ قال: نعم.
قال: وأفهمك عندما تسألني؟ قال: نعم.
قال: كذلك كان موسى ولم تمنعه لكنة لسانه من أن يكون رسولاً، بل كان رسولاً عظيماً، ومن الخمسة أولي العزم، وهو عندما طلب زوال العقدة لم يطلب الفصاحة كلها، ولا البيان كله، كفصاحة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما طلب ما يستطيع به أن يبين، وكان فرعون يذمه بذلك وينتقصه ويقول لقومه: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف: ٥٢].
أي: هذا الذي ادعى النبوءة وجاء يطلب أن أكون خلفه ووراءه، وهو مهين فلا يلبس الدمقس ولا الحرير، ولا هو مثلي في طوله وعرضه، ولا في قصوره وخدمه وحشمه، فعده بذلك مهيناً، وحاشا النبوءة من ذلك.
﴿وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف: ٥٢] أي: له لكنة وعقدة في لسانه، فإذا أراد البيان في القول لا يكاد يستطيع ذلك إلا بمشقة، وهو ما طلبه موسى من ربه فقال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: ٢٧ - ٢٨].


الصفحة التالية
Icon