تفسير قوله تعالى: (ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً)
قال الله تعالى: ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ١٩].
في صلح الحديبية لم تكن هناك مغانم ملموسة ولكن كانت مغانم معنوية: من النصر المؤزر، والمغفرة من الله، والرضا منه على هؤلاء، ولكن الله وعدهم فيما بعد الحديبية بمغانم كثيرة يأخذونها، قال تعالى: ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ١٩]، وبداية المغانم والأرباح والمكاسب كانت في حرب خيبر، فمعاهدة الحديبية كانت في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة، وكانت غزوة يهود خيبر في شهر محرم من السنة السابعة للهجرة، وكانت هي المغانم القريبة.
وخص نبي الله امتثالاً لأمر الله في هذه الآية مغانم خيبر من حضر معاهدة الحديبية، ولم يعط من تلك المغانم أحداً ممن لم يحضرها، وكان ذلك عطاء من الله، وتعويضاً لهؤلاء حيث تركوا زراعتهم وتجارتهم وجاءوا زمناً، وحبسوا أنفسهم زمناً عند الحديبية؛ طاعة لله، وامتثالاً لأمر رسول الله، ورغبة في الجهاد والقتال، فجازاهم الله بالمغانم الحسية كما جازاهم بالمغانم المعنوية، فتملكوا مغانم أرض خيبر، وكانت شيئاً عظيماً، كانت أرضاً وعقاراً وإبلاً وخيلاً وذهباً وفضة وكانت وكانت.
وهذه الغنائم هي ما طمع فيها أولئك المخلفون من الأعراب، وقالوا لهم عندما انطلقوا إلى حرب خيبر: ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾ [الفتح: ١٥]، فمنعهم رسول الله بأمر الله عن أن يحضروا، ولا أن يأخذوا من الغنائم قليلاً ولا كثيراً، ووعدهم أنهم إذا دعوا لقتال قوم ﴿أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] أي: يقاتلونهم إلى أن يسلموا أو يستسلموا، فإن استجابوا وأطاعوا غفر الله ذنبهم، وكفر عنهم سيئاتهم إن أخلصوا العمل لله، وإذا أعرضوا كما أعرضوا من قبل ضوعف لهم العذاب الأليم الموجع.
وقوله تعالى: ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا﴾ [الفتح: ١٩] هذا الغنائم كانت خاصة لمن حضر صلح الحديبية من المهاجرين والأنصار والبدو، ووصفها الله بالكثرة، وهي: مغانم خيبر وما جاء بعدها من غزوات اليهود وحرب فارس والروم.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ١٩] العزيز: الذي لا يمانع ولا يغالب، فكل من سواه ذليل بين يديه وتحت قهره، فهو القاهر لعباده، الحكيم في أعماله، فلا يضع الأمور إلا بالحكمة في الدنيا والآخرة.