معنى قوله تعالى: (فإما مناً بعد وإما فداء)
قال تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ﴾ أي: أنتم مخيرون إذ ذاك بين أن تمنوا على هؤلاء الأسرى بأن تطلقوا سراحهم مناً منكم وتفضلاً بلا فدية وبلا مبادلة وبلا استعباد وبلا استرقاق.
((وَإِمَّا فِدَاءً)) أي: وإما أن تفادوهم بأمثالكم من أسراكم أو بمال يقدمونه أو بعمل يقومون عليه.
قال تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ﴾ [محمد: ٤] حتى غائية، أي: تفانوا في قتال الأعداء وضرب الرقاب منهم وإثخانهم في القتل وشدته وأسرهم وتشديد الرباط والسلاسل على أسراهم، ثم بعد ذلك فالأمر والخيار لكم بحسب ما ترونه من المصلحة، فإما أن تمنوا عليهم وتطلقوا سراحهم بلا مكاتبة وبلا عمل وبلا مال، وإما أن تفدوهم بأن تأخذوا فدية مقابل كل أسير حسب ما ترونه من المصلحة لجيشكم ولدولتكم، ويبقى هذا باستمرار حتى تضع الحرب أوزارها، أي: ليكون هذا في كل حرب وإلى نهاية الحروب في الأرض بينكم وبين أعدائكم.
والأوزار: جمع وزر بمعنى: الثقل، أي: حتى تضع الحرب وتنزل عن كاهلها أثقالها ومشاقها ومتاعبها، ويكون ذلك إما بنهاية الحرب القائمة، أو بنهاية سلسلة الحروب مع الأعداء، والحرب لن تنتهي إلى قيام الساعة بين المؤمنين والكافرين.
وقد أراد بعضهم أن يفسر: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ [محمد: ٤] بأن الحرب ستنتهي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الجهاد قائم منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال)، والدجال من العلامات الكبرى لقيام الساعة، فمعنى ذلك: أن يبقى الجيش المسلم مجاهداً مقاتلاً لإعلاء كلمة الله إلى يوم القيامة.
وأما متى تضع الحرب أوزارها، فقالوا: إن ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، والأحاديث بذلك مستفيضة ومتواترة، وعند ذلك يصبح الدين واحداً والدولة واحدة، فعيسى عليه السلام سيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل اليهود والنصارى والمشركين، ولا يدع في الأرض إلا موحداً مؤمناً مسلماً يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعند ذاك تضع الحرب أوزارها وأثقالها ومشاقها ومتاعبها، ولا حاجة للحرب بعد ذلك.