تفسير قوله تعالى: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار)
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٢].
يقارن الله بين حياة المؤمن وحياة الكافر.
فيقول عن المؤمن: ((إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا)) أي: آمنوا بالله رباً، وبكتابه ودينه ورسله.
وقوله تعالى: ((وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)) أي: ضموا إلى الإيمان بالله عملاً صالحاً، من القيام بالأركان من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها.
فهؤلاء الذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات جزاؤهم عند ربهم أن يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، فيكرمهم بجنات لا جنة واحدة، جنات تجري من تحتها الأنهار، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
أما الكافر فقال تعالى عنه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ﴾ [محمد: ١٢].
أي: الذين كفروا بالله يتمتعون في دنياهم تمتع الدواب والأنعام، فيأكلون كما تأكل ويعيشون كما تعيش، لا هنأ لهم في الحياة ولا هدف ولا غاية، إلا أن يملئوا البطون ويرغبوا الفروج، ويلبسوا الظهور، ولا فكر في آخرة ولا في عبادة، ولا في الله جل جلاله، وما أنزله من كتب وملائكة ورسل، وحال هؤلاء كما يقول عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء).
فالمؤمن يأكل ليعيش، والكافر يعيش ليأكل.
المؤمن يعيش ويحتاج في العيش لزاد يتزود به لعبادة ربه وامتثال أمره، ولطاعة نبيه وامتثال أمره، وليتم ذلك فليأكل ليعيش للعبادة.
وأما الكافر فهدفه من الحياة الأكل والشرب والظهر والفرج، ولا شيء سوى ذلك، يعيشون هملاً مع أنفسهم، لا يفكرون فيما سوى بطونهم وفروجهم وظهورهم، يعيشون للمتعة وللذة زائلة وحياة غير دائمة، فلا يفكرون في اليوم الآخر ولا في العرض على الله، وكأنهم الأنعام والدواب، بل الأنعام أشرف منهم، وهم أضل منها، كما قال الله: ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩] فهم أبعد عن المنطق، وعن الخير، فلا يحرمون حراماً ولا يحلون حلالاً، والأنعام نستفيد من بطونها وظهورها وأوبارها وضروعها، وهؤلاء يكونون كلاً على الناس، وجودهم في بطن الأرض خير لهم من ظهرها، فلا ينتج عنهم إلا الضرر والشقاء وأذية الإنسان.
وقوله تعالى: ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٢] أي: هؤلاء مقامهم ومثواهم ومنزلتهم يوم القيامة النار، جزاء وفاقاً لكفرهم وخروجهم عن أمر الله ودينه.


الصفحة التالية
Icon