تفسير قوله تعالى: (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك)
قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣].
عندما اضطر نبي الله عليه الصلاة والسلام للخروج من مكة، أعلن الكفار أن من جاء به حياً وميتاً فله مائة ناقة، دية قتيل من الناس، ولذا ذهب إلى غار ثور يختفي أياماً ليتابع رحلته ومسيرته إلى دار الهجرة المدينة المنورة، وصل للغار متألماً حزيناً، وخاطب مكة قائلاً: (ما أحبك إلى الله، وما أحبك إلي، ولولا أن المشركين أخرجوني منك لما خرجت) فأنزل الله عليه: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣].
قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [محمد: ١٣] أي: كم من قرية، أو كم من مدينة أهلها أشد سلطاناً وأكثر غنى، وأوسع حضارة من قريتك ومن بلدك التي أخرجت منها، ومع ذلك أهلكناهم ودمرناهم، وجعلناهم عبرة للمعتبر.
فهؤلاء الذين أخرجوك لقد كانوا أقل ممن سبقهم شأناً وأضعف سلطاناً وأقل حضارة، فلا يعجزوننا، كيف ولم يعجزنا من هم أشد منهم قوة وأكثر سلطاناً، عندما أخرجوا نبيهم، وكفروا بدينه، وكذبوا كتابه، والرسالة المرسل بها أنبياؤهم.
وقوله تعالى: ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣] أي: فلم يكن لهم ناصر، وأصابهم منا الدمار من غرق ومن جعل الأرض عاليها سافلها، ومن رياح عقيمة ومن صواعق من السماء، وزلازل من الأرض، فلم يجدوا ناصراً ولا معيناً ولا مسانداً ينصرهم من أمر الله وقضائه، وهيهات هيهات أن ينصر مشرك وعدو لله!