جماع وصف الجنة
هذه الأنهار التي خلقها الله في جنته، هي جزء من نعوتها وصفاتها، وإلا فقد أجمل الله وقال: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف: ٧١] حتى إن بدوياً قال: (يا رسول الله! إني أحب الخيل، أفيها الخيل؟ قال: إن دخلت الجنة ستجد الخيل، وتركب حيث شئت فيها.
وقال آخر: يا رسول الله! إني أحب الإبل، فهل أجد في الجنة الإبل؟ قال: نعم، إذا دخلت الجنة ركبت من الإبل ما تشاء)، وهذا ما أجمله الله وعممه دون تفاصيل.
وقوله تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ﴾ [الزخرف: ٧١]، هذا ما زاده تفسيراً وبياناً رسول الله ﷺ حيث يقول: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
وشربة ماء من حوض رسول الله ﷺ لا يعطش الإنسان بعدها أبداً، لونه أشد بياضاً من اللبن، وأكثر حلاوة من العسل.
وهذا من تفاصيل ما في الجنة من نعيم.
ففيها ما لا عين رأت، والإنسان في الدنيا رأى بعض ما ذكر فيها، فقد شربنا الماء ولا نستغني عنه، وشربنا اللبن ولا نستغني عنه، وكذلك العسل ولا نستغني عنه، وأعاذنا الله من خمر الدنيا، ولكن النبي يقول عليه الصلاة والسلام: (ما لا عين رأت) ونحن قد رأينا هذا، (ولا أذن سمعت) وقد سمعنا به، (ولا خطر على قلب بشر) ومعنى هذا: ما قاله حبر القرآن ابن عم رسول الله ﷺ عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (كل ما ذكر الله في جنته ليس منه في الدنيا إلا الأسماء) أما المسميات فهي في الآخرة غير ما يخطر بالبال، وغير ما رأت العين، وغير ما سمعت الأذن، وهذا يتم بياناً وشرحاً وتفسيراً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه في أوسط الجنة، وفي أعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن).
قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [محمد: ١٥].
فهذه أنهار الماء والعسل والخمور والألبان لهم مع ذلك وفوقه المغفرة من ربهم، يغفر الله ذنوبهم وآثامهم، وما ملّكهم الجنة، وجعلهم من أهلها حتى غفر ذنوبهم، وكشف كروبهم، وأزال سيئاتهم.
ولهم فيها من الثمار ما لا يخطر ببال إنسان، كذلك في أرضنا يوجد من الثمار والفواكه ما ليس في أرض أخرى، وقد رأيت في آسيا القصوى وفي أقطار أخرى بعيدة وقريبة من الفواكه والثمار ما لم يُعرف في بلاد العرب، وهو من ألذ ما يؤكل، ومن ألذ ما تتمتع به النفس؛ أما الآخرة ففيها من أنواع الثمار والفواكه بجميع أشكالها ومما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، مع مغفرة الله وتكفيره لسيئات أهل الجنة، وما أدخلهم حتى كفّر سيئاتهم، وغفر لهم ذنوبهم.
قال تعالى: ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥].
أي: فمن هو خير؛ أهذا الذي دخل الجنان وكان له فيها من الأنهار أنواع وأشكال، وغفر الله ذنبه وستر عيبه وكشف كربه، أم الكافر الذي إذا دخل النار سُقي من الحميم الشديد الغليان الذي إذا شربه قطّع أمعاءه وخرج من دبره؟ وهكذا كلما نضجت جلودهم بُدلوا جلوداً غيرها؛ ليذوقوا العذاب وليزدادوا عذاباً وعقاباً جزاءً وفاقاً على كفرهم وشقاقهم في دار الدنيا.


الصفحة التالية
Icon