معنى قوله تعالى: (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض)
يقول تعالى: ﴿وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢].
أي: إذا تكلمتم معه فلا يكن قولكم وكلامكم معه جهراً مرتفعاً بلغط وصياح، كشأن غير المؤدبين من أجلاف البدو والأعراب، فرسول الله رسول الله ﷺ يجب أن يوقر، ويجب أن يعزر، ويجب أن يحترم، ومن ذلك غض أصواتكم بمحضره وعند مكالمته وعند الحديث معه.
قال تعالى: ﴿كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الحجرات: ٢]، أي: لا تحدثوا رسول الله ﷺ وأنتم تكلمونه كما يكلم بعضكم بعضاً بأصوات مرتفعة، فإنه إن جاز هذا فيما بينكم فلا يجوز بحال أن يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣]، فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوته، ولا تنادوه: (يا محمد)، ولا تنادوه: (يا أبا القاسم)، بل نادوه: (يا رسول الله)، (يا نبي الله)، وإذا ذكر فصلوا عليه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي).
وقال ربنا جل جلاله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].
فإن كان الله يصلي على عبده، وملائكته تصلي على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فمن باب أولى أن يصلي عليه المسلمون وأن يسلموا تسليماً، أي: صلاةً كثيرة متتابعة متوالية دائمة عندما يذكر، ويستحب ذلك بالتأكيد في يوم الجمعة منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والاستحباب قائم في جميع الأوقات، وفي تحياتنا عندما نجلس للتحيات في الجلسة الأولى والجلسة الثانية وجميع جلسات الصلوات يكون من جملة التحية السلام على رسول الله بقولنا: (السلام عليك - أيها النبي - ورحمة الله تعالى وبركاته).
فقوله تعالى: ﴿وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢]، أي: لا يكن قولكم بمحضره بصوت مرتفع، فهذا من أخلاق المنافقين، والكافرين، والأجلاف من الأعراب الذين هم جديرون بأن لا تمتلئ قلوبهم بالإيمان، وأركانهم بالأعمال.