معنى قوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)
قال تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: ١٢]، فذكر أخاك بما يكره كأنك أكلت لحمه ميتاً.
وقوله تعالى: (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي: كما تكرهون أكل لحم إنسان من البشر ميتاً يجب أن تكرهوا الغيبة امتثالاً لأمر الله وطاعة لما أدب به عباده المؤمنين الصالحين.
وقد بلغ النبي عليه الصلاة والسلام أن امرأتين صائمتين وقعتا في غيرهما بالغيبة وبالشتيمة، فناداهما ودعا بإناء فقال لهما: تقيئا، فتقيئا دماً وصديداً ولحماً، فقال: (إن هاتين صامتا عما أحل الله وأفطرتا على ما حرم الله).
وقد جاء ماعز إلى رسول الله ﷺ وقال له: يا رسول الله أصبت حداً، فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام أربع مرات، وفي الخامسة التفت إليه وقال: ما تريد بذلك؟ قال: أن تطهرني، ثم أمر برجمه فرجم، ثم خرج النبي ﷺ إلى ضواحي المدينة وإذا برجلين ممن معه قد أخذا يشتمان ماعزاً ويقولان: رجل ستر الله عليه ففضح نفسه حتى رجم، فسكت عنهما ﷺ زمناً، وبعد برهة من الزمن مروا على جيفة حمار فقال لهما: (كلا، فقالا له: غفر الله لك يا رسول الله، فقال: ما أكلتما من لحم أخيكما آنفاً أبغض عند الله من أكلكما من هذه الجيفة لو فعلتما).
فالله جل جلاله شبه غيبة أخيك المسلم بأكل لحمه ميتاً، فكما أن أكلك لحمه ميتاً لا يشعر به، فكذلك اغتيابك له وهو غائب عن مجلسك لا يشعر به.
ولذلك اعتبرت الغيبة كبيرة من الكبائر عقوبتها التعزير، والتعزير عند الفقهاء الأئمة هو أن يضرب المذنب والمخالف بعشر ضربات على أن يحضر عذابه طائفة من المؤمنين؛ ليكون ذلك أردع لذنبه ولغيره ممن تحدثه نفسه بمثل ذلك.
يقول تعالى: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: ١٢].
أي: كيف أحببتم غيبة أخيكم المسلم ولم تكرهوها وتكرهوا أكل لحمه وهو ميت؟! فكما تكرهون أكل لحمه ميتاً يجب عليكم أن تكرهوا ذكره بالسوء وهو غائب عنكم.